من سمات العصر الحديث التي برزت ملامحها، تظهر لكل باحث مالي أو متابع لحركة الاقتصاد العالمية وأزماتهـا، أن الاقتصاد أصبح مرتعًا خصبًا لخوض حروب باردة أو ساخنة علنية أو خفية بين الدول التي تملك مفاصل الاقتصاد والمال في العالم، ويتجلى ذلك في التحرش الاقتصادي الذي لم يعد خافيًّا على أحد. وفي تاريخ الاقتصاد العالمي يتسم طابع الحروب الخفية بالتحرش بين الشركات العالمية تقف وراءهـا سياسات الدول الكبرى في العالم خصوصًا في سوق النفط العالمية، وتخوض حربًا ضروسًا ضد الدول الفقيرة التي لاتملك النفط أوتملك النفط بنسب متوسطة ليست كبيرة ومؤثرة . ما يقع في سوق النفط اليوم هو نوع من أنواع تحرش الدول بعضهـا بين بعض وتتضرر السوق الخليجية بهذا التحرش إن لم تكن أولى الدول تضررًا منه حين تخفض بعض الدول إنتاجهـا من النفط أوتزيد الإنتاج وتتلاعب بأسعار النفط كل ذلك لون من التحرش يتفق مع مصالح الدول وحروبهـا الاقتصادية التي تخوضهـا، صحيح أن النفط لم يعد وسيلة حرب ولا سلم بسبب اعتماد الدول الكبرى على موارد أخرى، لكنه من أكبر وسائل التحرش الاقتصادي في العصر الحديث فحين رفعت السعودية إنتاجهـا من النفط كان أكبر المتضررين روسيا وإيران، وهو تحرش سعودي عقابي لضلوع الدولتين في حروب اقتصادية وغيرهـا ضد الدول العربية خاصة وتورطهـا في دعم الإرهاب في العالم كله خصوصًا الشرق الأوسط . إن عودة إيران لسوق النفط بعد رفع العقوبات الاقتصادية عنها وزيادة إنتاجها من النفط إحدى صور التحرش أيضًا وضلوعهـا في سرقات النفط من أكبر التحرشات العالمية بسوق النفط العربية، والتي مارستها إيران بسرقة نفط العراق . ومن أبرز آثار التحرش الاقتصادي بوسيلة النفط انخفاض أسعار الأسهم وأسواق الإتمان، وتعد شركات الطاقة العالمية أبرز المتضررين من التحرش بسبب تخمة المعروض النفطي. يقول الكاتب الأمريكي المعروف إف وليام: “تراجع أسعار النفط يصعّب الأمور على شركات الطاقة؛ للحصول على التمويل الذي تحتاجه لخفض ديونها أو الحفاظ على العمليات جارية”. وأضاف: “من المعلوم أن الشركات تقترض على أساس حجم احتياطياتها، ولكن عندما تتعثر الأسعار بنسبة نحو 50% كما حدث في آخر ستة أشهر؛ فإن قيمة هذه الاحتياطات تتراجع بشكل حاد، وهو ما يوقف الوصول إلى السوق، تاركة الرئيس التنفيذي لكل شركة يعاني مستقبلًا موحشًا يتمثل في بيع الأصول بأسعار اضطرارية أو مواجهة التخلف عن السداد”. إذا كان من الممكن احتواء المشكلة داخل القطاع، فإنه ليس هناك داعٍ للقلق، ولكن ما يقلق “وول ستريت” هو أن الارتفاع الكبير في فشل شركات الطاقة قد يكون له مضاعفات على النظام المالي والتأثير على البنوك، ورغم مرور ست سنوات على المعدلات الصفرية وعمليات تخفيف القيود النقدية، إلا أن البنوك الوطنية الكبرى لا تزال تفشل في توفير رأس المال الكافي بشكل خطير، وهو ما يعني أن موجة من حالات الإفلاس غير متوقعة يمكن أن تكون هي كل ما يلزم لانهيار المؤسسات الضعيفة وإدخال النظام مرة أخرى في أزمة. وفي تقرير في صحيفة “الديلي تلغراف” أن مشاريع نفطية بقيمة 55 مليار جنيه إسترليني في بحر الشمال وأوروبا يمكن أن تُلغى؛ بسبب هبوط أسعار النفط، بحسب تقديرات شركة وود ماكنزي الاستشارية. والسؤال الملح دومًا على سوق النفط الخليجية إلى متى يبقى الاعتماد على النفط والتعرض للتحرش مهددًا لسوق المال العربية بما فيها خليجنا العربي . ماهي السبل لخفض اعتمادنا على النفط والتحول لأسواق أخرى لاتعتمد بصورة أساسية على النفط؟ وهل هناك دراسات مستقبلية وسياسات اقتصادية قوية وعملية تستشرف مستقبلًا أفضل من هذا الواقع المخيف الذي يغتاله تحرش اقتصادي عالمي يهدد المواطن العربي ويعصف بحاجاته الضرورية اليومية ؟!
زين العابدين الغامدي