هو رجل بسيط لكنّه في قمّة الثراء، تعرّض لمصيبةٍ، كما أسماها خالقنا سبحانه وتعالى، لكنّه في قمّة السعادة، فكيف ذاك؟! هذا الرجل المتواضع يأسرك بحديثه وأخلاقه، ومؤخرًا، أبهرنا جميعًا بصبره واحتسابه. يعيش الكفاف، ويرعى غنمه، هذه المهنة التي امتهنها الأنبياء والرّسل، ويبيت ليلته في خيمته شاكرًا حامدًا قانعًا؛ ليبدأ يومًا جديدًا مليئًا بالحيوية والسعادة والنشاط. تعرّض ابنه لحادث قريبًا، ولم يكن والده يعلم بذلك؛ مما جعله يعيش دوامة من البحث المستمر، مابين أقسام الشرطة والمستشفيات، وجميع الأماكن التي يحتمل أنّه غاب فيها.. استمرّ هذا البحث ثلاثة أشهر، واصل فيها الليل بالنهار كيما يعثر على فلذّة كبده، لكن دون جدوى، ثم أتى الخبر المحتوم يحمل نبأ موته، فماذا كانت ردّة هذا الأب المكلوم؟!*يحسن بي أن أنقل كلام أحد أركان “مائدة القرآن العظيم” في “كلمة الحق” التي كتبها: (أنا درست التوحيد لأكثر من 20 سنة، لكنّ الأخ فضل السوداني لخّص لي هذه السنوات في تعامله مع الحادث الذي وقع لابنه قبل ثلاثة أشهر، وصبره واحتسابه بشيء لايخطر على بال، ولما كلّمته اليوم وإذا به في قمّة السعادة والفرح بما ثبت عن طريق الأدلّة الجنائية أنّ الذي في الثلاجة هو ابنه، وأمروه بدفنه في الحال، وسيكون ذلك بعد صلاة فجر هذا اليوم، والعجيب في الأمر أنّه لمّا كلّم زوجته وأولاده في السودان وجدهم صابرين محتسبين راضين بما قدّر الله على ابنهم، محبّين لهذه الخاتمة، حيث إنها في أطهر, أشرف بقعة على البسيطة، وكل مسلم يتمنّى أن يموت فيها). وكذلك تحدّث بقية الأعضاء بذات الحديث أو قريبًا منه.. *حينما تسمع فضل يتلو آيات من القرآن الكريم في ذات “المائدة” التي يحضرها فضل بانتظام يتضح لك الفارق الكبير بين تلاوته وتلاوة بعض الجامعيين، بل بعض الأكاديميين، الذين تخجل أن تسمع قراءتهم !*ليس هذا فحسْب بل حينما يجيب عن الأسئلة المنهجية التي يسألها معلّم الدرس يجيب عنها إجابة واضحة كاملة وكأنك تسمعها من طالب علم مجتهد متمّكن، رغم مشاغله التي تحتويه منذ تنفّس الصباح وحتّى موعد عسعسة الليل.*يحبّ هذا الوطن المعطاء، ويتمنّى أن يقضي كلّ حياته فيه ويموت فيه، ولم يشعر يومًا ما أنّه غريب مغترب، ولم يفعل المحيطون به ذلك.*لقد تعلّمت من هذا “الفضل” الكثير، وله فضلٌ علينا جميعا نحن جلساؤه، إذ علّمنا مالا يمكن تعلّمه إلا في مدرسة الحياة. فلتمنحوا قليلا من وقتكم لهذا الرّجل، وقليلا من كلماتكم ودعواتكم.
لم يكن يدر بخلدي أن مقال “السلام عليك أيها النبي” سيحتاج إلى جزء آخر، لكن ردود بعض الأحبة تستلزم ذلك، وهذا ماسيكون بحول الله في المقال القادم.
حامد العبّاسي
بورك المداد في تألق مستمر أدام الله نقاء فكرك