لُجة الأيقونات
منطق الطير: “لو قبلتك كما أنت قد تصبح أسوأ، لكنني سأعاملك بالشكل الذي تستطيع أن تكون عليه لأجعلك أفضل”- جوهان غوته.
ليس ثمة قيمة في الحياة أثمن من الحياة ذاتها، وليس هناك ما هو أعظم من أن تصون تلك الحياة وتُسهم في إحيائها ورفاهها، ومن ذلك الإحياء أن تكون رسول محبة تزرع في الوعي فلسفة الحياة بديلًا عن فلسفة الموت، وتحفز حواس المقاومة وتوقظ بقايا الأمل، حتى في أزمنة القتل الجماعي واستسهال الموت والوأد الإنساني المخيف، ولن يتأتى ذلك ابتداءً إلاَّ بالكلمة وعن طريقها، فهي على بساطتها إن تدثر قائلها الحمق توقد الحرب وتوجه البندقية وتصادر الأحلام والأوطان. كثيٌر من القول الذي وإن تزمل الحق المزعوم والصواب المطلق، بات قنبلة موقوتة يؤسس للعنف والإرهاب، ويُعمم للكراهية والخراب، خصوصًا في بيئة سائبة مفتوحة غير موجهة، يتعدد فيها المتلقي باختلاف وعيه، وقدرته على فهم مراد القول وأهدافه، والأخطر من كل ذلك استسهال الأمر وعدم الالتفات إلى دعوات العقلاء إلى قصد الحديث وفحصه قبل التحدث، خصوصًا لدى من يتصدرون توجيه “الجمهور”، فليس كل ما يُعرف يقال، وليس كل ما يُقال يُقال دون وعي في طرحه ومواءمة للبيئة ووقت الطرح. لا يتعارض ذلك مع الحرية كقيمة إنسانية مثلى، تتكئ على قيمتي المحبة والسعادة، فالحرية لا تتأسس على الفوضى والتسيبب، وعلى أنقاض الجماجم وسيل الدماء، وموشح الحزن العظيم، إنما تسمو الحرية للارتقاء بالإنسان من مجرد العيش رقمًا بائسًا مهملاً على هامش الواقع إلى فاعل رئيسي سعيد في بناء المستقبل، ولن يتحقق ذلك قطعًا إلاّ بالحفاظ على روحه أولًا، ورفاهه ثانيًا، فالحرية كُل لا يتجزأ، فلا يمكن أن تُحصر في حرية التعبير قبل أن تتحصن حرية التفكير. إن الحفر في البنية الذهنية للمتفاعل العربي على شبكات التواصل الاجتماعي وفضاءات التفاعل المختلفة لا بد أن يتأسس على بناء نمطية جديدة للتفكير، من خلال الحث على الانطلاق الخلاق والواعي، آخذةً في الحسبان أن الشجاعة لا تتوقف عند الاندفاع والإقدام، إذْ هما على بريقهما يصبحان فعلًا أحمقًا إن لم يتأسسا على المعرفة والتفكير، فالعقل العربي يجب أن يتخطى ارتجاليته وعفويته و”عنتريته”، إلى مرحلة من التدبر والتفكر العميق، ابتداءً بالقول وانتهاءً بالفعل. خبر الهدهد: نجوم وأقمار..
عبد الحق الطيب هقي