المقالات

هل ستقود أم تُقاد؟!

  •  لا يغيب عن أي منّا تمازج الثقافات، فهو واقع نعاصره جميعًا في حياتنا اليومية. فقد لا يمر يوم إلا وقد لاقيت بائع من الهند، أو متسوّق من السودان، أو ممرضة من الفلبين. وينعكس هذا التمازج بين الثقافات على المملكة، فترى أرفف الأسواق مليئة بمختلف المنتجات التي لا يستخدمها أهل السعودية في طعامهم، بل قد وضعوا على تلك الأرفف لتلبية احتياجات أفراد من ثقافات أخرى. إن اختلاف الثقافات يقوم بتوسعة الأفق والمدركات، فنتعرف على ما هو جديد، أو حتى غريب في بعض الأحيان، فتزداد ثقافتنا ومدركاتنا لما حولنا. التمازج الثقافي لا ينعكس فقط على حياتنا اليومية، بل أيضًا على الحياة المهنية في المملكة. فاختلاف الثقافات يجلب العديد من المميزات، فكثير من الشركات السعودية هي عبارة عن تحالف ناجح لثقافات مختلفة، فأشهر مثال على تحالف ثقافي ناجح لثقافتين مختلفتين تمامًا هو شركة أرامكو. ولكن كيف يتم قيادة المزيج الثقافي في الشركات؟ كيف يتم قيادة المزيج الثقافي نحو أهداف مشتركة رغم اختلافات الأفراد؟ كيف تكون القيادة للمزيج الثقافي فعّالة وناجحة؟ إن حصاد مميزات المزيج الثقافي لا يكون بدون مواجهة العديد من التحديات الصعبة. قد يعتقد البعض أن أكبر عائق في قيادة المزيج الثقافي ينتج عن مشاكل التواصل بسبب اختلاف اللغات، ولكن في حقيقة الأمر اختلاف اللغات هو فقط أول عائق، فبعده هناك العديد من العوائق التي قد تُحدث العديد من المشاكل، مثل اختلاف التطلعات، المحفزات، المفاهيم، التوقعات، السلوكيات المهنية، وغير ذلك.

    قيادة أي مزيج ثقافي يبدأ بك أولًا، فعليك تفهّم وتقبّل اختلافات الموظفين. فلا يمكن لك أن ترى جميع الموظفين من نفس العدسة. فهذا قد ينتج عنه شعور بعض الموظفين بعدم تقبلهم وتفهمهم والذي قد يجعلهم يتجهون للانطواء والانعزالية، أو شعورهم بعدم الراحة والذي يجعلهم غير قادرين على العمل مع زملائهم كفريق متكامل، بل قد يترددوا في التعبير عن أفكارهم لخوفهم من عدم تقبلهم. فعليك أن تتذكر دائمًا أن الفريق كالسلسلة، قوته كقوة أضعف جزء أو عضو من ذلك الفريق؛ لذلك عليك أن تكون متفتح الذهن، حذرًا وواعيًّا لتلك الاختلافات الثقافية، يجب عليك أن تنشر بين الموظفين ثقافة التفهّم والتقبّل لبعضهم البعض بالرغم من اختلافاتهم. ولكي تشجعهم على ذلك، عليك أن تبدأ أولًا وتكون قدوة لهم. عليك أيضًا أن تكون مراعيًّا للمزيج الثقافي في جميع الجوانب الإدارية، فتقبل الموظفين للنقد مثلًا قد يكون مختلفًا من ثقافة لأخرى. بعض الثقافات تفضل النقد الصريح المباشر، بينما البعض الآخر يعتبره جارحًا أو محرجًا. عليك أن تكون حذرًا عند اتخاذ قراراتك وتوجيهك للموظفين. تفادي تفاقم مشاكل المزيج الثقافي يكون باكتشاف أي فجوات ثقافية مبكرًا، والبدء فورًا بتوضيحها للجميع وتوضيح كيفية التعامل معها. فلتكن حذرًا من تكوّن الأحزاب والجماعات الثقافية غير الرسمية، حيث تكون كل مجموعة مكوّنة من أفراد ذو ثقافة واحدة والذي قد يؤدي إلى انحيازهم دائمًا لبعضهم البعض والنظر لأي فرد من ثقافة أخرى على أنه مختلف أو غريب. ونرى هذه الظاهرة في بعض الشركات السعودية حيث تجد مثلًا الموظفين من دولة الفلبين لديهم شبكة اتصالات واسعة وغير رسمية فيما بينهم، فتجدهم يعرفون بعضهم البعض من جميع أنحاء الشركة، وتجدهم يساعدون بعضهم، وفي بعض الأحيان ينحازون لبعضهم البعض.

    مثل تلك الجماعات الثقافية غير الرسمية ستؤدي إلى تفكك علاقات الموظفين في المزيج الثقافي، والذي قد يؤدي إلى خلافات كثيرة وتفاقم الفجوة الثقافية. عندما يتواجد المزيج الثقافي، لا توجد طريقة محددة يتم اتباعها، فالثقافات كثيرة جدًا ولا يمكن حصر جميع الاختلافات وتوضيح كيفية التعامل مع كل منها. لذلك يجب عليك أن تكون متفتح الذهن ويقظًا دائمًا ومستعدًا للتدخل عندما يلزم الأمر، وعليك احتواء وحل أي مشاكل تنبع من الاختلافات الثقافية بأسرع وقت قبل تفاقمها. فلتنشر ثقافة التقبّل والتفهّم بين الموظفين لتتغلغل في المزيج الثقافي لتؤدي إلى ترابطه. فلتجعل المزيج الثقافي سببًا في زيادة إنتاجية وإبداع وتعاون الموظفين بدلًا من أن يكون سببًا في تفرقهم أو نشوء مشاكل فيما بينهم. فلتكن القائد الذي يقود مزيج الاختلافات نحو أهداف مشتركة بدلًا من أن تُقاد نحو تعقيدات لا نهاية لها تؤدي إلى الوصول إلى لا شيء.

    هالة سرور

    جامعة القصيم

هالة سرور

جامعة القصيم

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى