ليست الفيدرالية بحد ذاتها نظام مستهجن أو غير صالح؛ بل قد يكون نظام يساهم أكثر في حفظ الاستقرار السياسي في بلد يتشكل من إثنيات معينة على خريطته الجيوسياسية.. ولكن هل الأمر كذلك في سوريا ؟ لقد ذكرنا في مقال سابق بتاريح 18.09.33 بعنوان (الشماعة مفضوحة.. والدور المنتظر)، بأن طبيعة تقسيم أو فيدرلة سوريا هو أمر مخالف لطبيعة التداخل الإثني المتعدد في سورية على طول وعرض المساحة السورية، اللهم إلا في محافظة السويداء التي تقع في منطقة جبل العرب والتي يتكون غالبيتها من مكون الدروز، ويقدر عددهم بحوالي النصف مليون نسمة.. حيث إنهم الكتلة السورية الوحيدة النظيفة على هذه البقعة الصغيرة جدًا من الأرض السورية والتي تبلغ حوالي 5000 كم2.. والذي يلخص فيه بأن الدروز طالما كانوا سوريين وطنيين من الطراز الأول، ولهم في التاريخ السوري شواهد على ذلك .. فسلطان باشا الأطرش هو من قاد الثورة السورية الكبرى وأيضًا فإن الدروز بعمومهم يرون في الوطنية السورية هوية لهم، فلقد لعبوا دورًا هامًا في تشكيل هذه الهوية، ولا يمكن لعاقل أن يتخيل أنهم يدمروها بأنفسهم وهي التي تحميهم، أي هذه الهوية.. أن التقسيم على أسس عرقية أو طائفية غير ممكن من الناحية العملية، ولا يمكن فرضه إلا بقوة السلاح المؤقتة، وأن أي تقسيم على هذا الأساس سيتبعه حرب طويلة الأمد قد لا تنتهي أبدا، حيث إن التداخلات الإثنية على الأرض السورية يصعب عزلها وتفكيكها؛ وذلك لأن الديموغرافيا السورية مختلطة إلى حد كبير .. فلا يوجد أي مكون على الأرض يشكل فيها أغلبية مطلقة – عدا منطقة السويداء – كما ذكرنا..فلو أخذنا منطقة الساحل الذي يراد أن يكون علويًّا، فالعلويين فيه أقل من نصف السكان هناك، وأن العلويين والعرب السنة متداخلين جدا في هذه المناطق، بحيث لايوجد مناطق بعينها علوية وأخرى سنية؛ بل هم جنب إلى جنب في كل حي وشارع من مدن الساحل خاصة.. بالإضافة؛ أن تشكيل إقليم علوي محاط بالسنة من كل حدب وصوب هو بمثابة عزلهم تماما عن أي عمق جغرافي، وعندها لن يكون لهم أي باب للتعامل مع الآخر سوى نافذة البحر ليتنفسوا منه وهذا ليس بصالحهم.. وهذا ينطبق على شمال سورية مع الأكراد.. فالصورة متشابهة تمامًا فلا الأكراد هم أغلبية هناك ولا يعيشيون على أرض يكون فيها المكون الكردي منعزل عن غيره، ناهيك عن عددهم القليل أيضًا مقارنة بالعرب السنة وباقي الإثنيات كالمسيحيين مثلا ..فلا يوجد كتل طائفية أو إثنية نظيفة في أي منطقة من مناطق سورية؛ ليكون مبررًا للدعوة إلى إقامة فيدرالية على أسس عرقية أو مذهبية، فضلًا عن أن الاتجاه العام والغالب هو رفض أي تقسيم من قبل معظم السوريين إلا إذا استثنينا جزء من الأكراد، وقد يكون للعلويين رأي جديد في هذا الآن لا نعلم.. إلا أن الغالبية الساحقة من السوريين لا تتبنى هذا التوجه .. لقد لعبت كل مكونات الشعب السوري الدينية منها والقومية سابقًا دورًا أساسيًّا وفاعلًا في بناء سورية على مر التاريخ، فتعايشت كل مكونات الشعب السوري سلميا دون تفرقة أو تمييز، بل وبمحبة دون أي نوازع قومية أو إثنية أو طائفية لآلاف السنين.. فلا يوجد بين السوريين حروب أو خصومات أو ثأرات سابقة، إلا بعد حكم عصابة حافظ وابنه بشار الذين لعبوا على وتر الطائفية ولا يزالون، محاولين تكريسها لأنها مخرجهم الوحيد للاستئثار بالحكم وخيرات البلاد، وكل المميزات التي تتبع الديكتاتورية والأهم والأخطر هو تمدد المد الصفوي الإيراني عبر هذا الحكم الطائفي للبحر المتوسط، وليكون قاعدة ينطلق منها جنوبا .. بلا شك أن المستفيد الأكبر من هذا الحلم بتغيير التركيبة الجيوسياسية والديمغرافية على أرض سورية والعراق حاليًّا، قد يتبعها تغييرات أخرى تصبح محتملة في محيطها إن نجحت هذه؛ فالمستفيدون إذن هم فقط أعداء الأمة باختصار شديد، سواء من مناصري التقسيم أو الفدرلة والموالين لهذه القوى العالمية والإقليمية في الداخل السوري أو لتلبية مصالح داعميهم، وأن الخاسر الأكبر في ذلك هم السنة في عموم المنطقة وليس السوريين فقط، على المدى البعيد والاستيراتجي .. إن مثل هذا المشروع خطير للغاية على السنة في المنطقة تحديدًا، فيبدأ بدائرة سورية لينتهي بدوائر تتوسع لاحقا تشمل المساحة السنية وتفتيتها ..أول خطوة لمقاومة هذا المشروع برأينا هو مقاومة الدعم العربي والروسي للأكراد في شمال سورية، فلولا هذا الدعم لما تحقق للأكراد أن يسيروا على مناطق العرب السنة في منطقة الحسكة السورية، والتي لا يمثلون فيها إلا أقلية باتجاه منطقة دير الزور جنوبا والرقة جنوب غرب، والتي سيطروا على بعض قراها بدعم من أمريكا سابقًا وروسيا لاحقًا.. إن الهدف من هذه الدعوات، هو خلق عرقيات مناطقية مقسمة تلبي مصالح الغرب والشرق على حد سواء، دون تلبية مصالح أهل المنطقة ذاتهم وبتفكيكها ترى أمريكا “منطقة ” الأكراد بديل محتمل لقاعدة أمريكا في تركيا؛ لسهولة التعامل مع الأكراد كأقلية صغيرة أو فرضه عليهم مقارنة بصعوبته مع الأتراك.. وأن هذه القواعد البديلة تقع تقريبا بنفس الخط والمنطقة الجغرافية، كما أن للروس قواعدهم على الساحل السوري في طرطوس وحميميم ..وأيضا إضعاف دور السنة وحصرهم في الصحراء الممتدة من سوريا إلى العراق، بين هذه المكونات من الشمال الأكراد والغرب العلويين والجنوب الدروز وبين شيعة العراق شرقا دون أي منفذ استراتيجي لهم، وأيضا عزل تركيا عن المكون العربي السني بكيان كردي معادي (إسرائيل جديدة ). فالتصدي لمثل هذا المشروع بعون الله سبحانه وبحزم سلمان أطال الله بعمره وأيده بقوة الحق، للوقوف ضد مشاريع تريد تمزيق هذه المنطقة ولو على مراحل.. وما الذي حصل ويحصل للعراق ليس عنا ببعيد، فعاصفة الحزم تأتي أكلها بإذن الله وهذا هو المدخل الأول لاستئصال السرطان الصفوي من الجنوب، وأيضا استكمال هذه العملية لتطهير المنطقة من كل الأحلام العدوانية المبيتة من أي طرف كان. جميل احترامي..
د. محمد خيري آل مرشد