عبدالرزاق حسنين

أُميّة..أدبتني وعلمتني

كثر الحديث في الآونة الأخيرة عن يوم المرأة وإن نسبوه للعالمي، ولكن الله تعالى سبقهم في ذلك التقدير للمرأة، فحفظ حقوقها وأمر برعايتها والرفق بها، وفي الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه قال عليه الصلاة والسلام:(إستوصوا بالنساء خيراً) (رفقاً بالقوارير) وليس أجمل وأرق من القوارير وبريقها، ولن أخوض في حق الوالدين بعد عطفه سبحانه بهما في الآية الكريمة قال تعالى:(وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا..)23 (وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا )24 الإسراء.. وهنا استأذنك عزيزي القارئ بأن ترافقني في رحلة نعود بها لأيام طفولتنا، وأخص بتلك العودة لمن جاوز الخمسة عقود أو دونها، يوم كانت بعض أمهاتنا أو جّلهن أميات لا يقرأن ولا يكتبن، فهل كنا نعرف عنهن ذلك!؟ إن كل ما أعرفه عن أمي أنها كانت تحفظ من سور القرآن الكريم إلى منهج المرحلة الإبتدائية تقريبا، وأنها كانت تشير لي بأصبعها الكريم على صفحات القرآن أو مادة القراءة التي كانت تسمى المطالعة، بما جعلني لا أشك يوماً في أنها أميّة، ولكنها وبحنان الأمومة وفطرتها التي أكرمها الله تعالى بها كانت تجتهد في التربية وتطيل السهر لتبني للوطن قادة، هنيئاً لها أن جعل الله تعالى الجنة تحت أقدامها، كيف لا وقد أنجبت عظماء وقادة وغير ذلك بعد متاعب حملٍ ومخاض ولادة، وهنا اسأل من عاصر تلك الحقبة من الزمن، هل تشاركني الرأي بأنك لم تكن تعرف أن أمك التي أدبتك على الإسلام وعلمتك القرآن والقراءة والكتابة على السطر هي أمية، ولكنها تخفي عنك ذلك لتكون قدوة، ويوم كبرت عرفت سر أمك التي ينشطر قلبها حلماً لمستقبلك المرموق أسوة بفلان وفلان في ذلك الزمن الجميل، بل أين نحن من عبارة(في بيتنا طالب يختبر) التي كنا نسمعها من آبائنا وأمهاتنا فترة الإمتحانات التي تمثل حالة طوارئ، فلا تبادل زيارات أو أسواق ولا ضوضاء أو توتر في العلاقات الأسرية، اللهم أجز أمهاتنا الفردوس الأعلى من الجنة، فقد كنّ المعلمات والممرضات ومصدر غذائنا في مطبخ بيتنا التقليدي، الذي بدأ بطباخة القاز والفتيلة في الحاضرة وبالحطب في البادية، بما يعني مزيد من العناء وخشونة الحياة التي عشنها لنهنأ نحن، وليت بعض أمهات هذا الزمن يقدرن ذلك ويقمن بجزء من جهد أمهاتنا غفر الله لهن، ومع أن في بيوتنا المعاصرة تكنولوجيا المايكرويف والأفران الكهربائية والخادمات، لا يزال البعض يعتمد على مطاعم السوق والدليفري، الذي بلا شك نتاجه أجساد قابلة للمرض بين الفينة والأخرى، ولن أخوض في الشأن الصحي الذي أجزل فيه خبراؤه بالنصح عن مضار الوجبات السريعة من المطاعم المنتشرة في كل زاوية من الأحياء، ولتربية أمهاتنا مزيد إحترام فقد كنّ مثالاً للقائدات الجادات الحريصات على قوام عودنا من الإعوجاج أو الإنفلات في صحبة السوء وغيرها، في ديموقراطية حقة تذكرني بموقف مرّ بي مع أحد أبنائي منذ أكثر من خمسة عشر عاماً، إذ طلبت منه إيقاف سيارتي بحضور والدتي، ولما عاد قذف لي المفتاح عن بُعد فما كان من والدتي حفظها الله إلا أن زجرته مطالبة إياه بالعودة وتسليمي المفتاح مناولة بيدي، بل والإعتذار لي عن سوء تصرفه وقد فعل، أين نحن من تربية أبنائنا وبناتنا وقد غمرتنا ديموقراطية لم يحسن بعضنا إستخدامها !؟ ديموقراطية في حقيقتها أقرب إلى الإنفلات الإداري في منازلنا بعد أن غرقنا في تكنولوجيا تساهم إن أردنا أو أبينا في تربية فلذات أكبادنا، بما يجعل مشوار التربية في بيوتنا ومدارسنا أشد صعوبة، فما تبنيه بيوتنا ومعاقل التربية والتعليم في أعوام، تهدمه لقطة عابرة في وسائل التواصل المنتشرة في أيدي فلذات أكبادنا والتي تعتبر سهلة المنال وبأزهد الأثمان، رحم الله أمهاتنا وفيهن أميّات كنّ قادة بالفطرة التي توارثوها عن آبائهم وأمهاتهم، وهل بعض أمهات هذا الزمان أميّات في التربية وقد غطت جدار حجراتهن شهادات علمية ودورات !؟ وأختتم بخاطرة (نعم..أنت أمي) أهديها لأمي جعلها الله ووالدي والمسلمين في الفردوس الأعلى من الجنة: نعم..كم أنتِ عظيمةٌ، قويةٌ بحنانكِ بسهركِ وتعبك،ِ حرصاً عليّ أمي، طبيبةٌ معلمةٌ مربيةٌِ، بكل صفات الجمالِ الملائكي عرفتك أمي، عانيتِ شقيتِ بكيتِ ضحكتِ لأسعد أنا أمي، لله دركِ على اللهِ أجرك،ِ فكم ضحيتِ أمي، أجدُ السعادةَ بقربكِ بدعائكِ بتضرعكِ لله أمي، هي الجنةُ هبةُ الرحمنِ تحت أقدامكِ لمن أرضاكِ أنتِ، وهل بعد أمكَ ثم أمكَ ثم أمكَ ثلاثٌ من الإحسانِ لكِ أمي، ولوالدي نعم الأب مثل الذي أوردتهُ فهو سعادتي والرضا، سأبقى ما حييتُ بعون اللهِ محباً داعياً (ربِ ارحمهما كما ربياني صغيرا)..

عبدالرزاق سعيد حسنين

مقالات ذات صلة

‫3 تعليقات

  1. كفيت و وفيت رحم الله من توفي من والدينا و اطال في عمر من كان حيا .
    مقال جميل سلمت يمينك .

  2. جعلك الله من ينطبق عليه الديث الشريف
    عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إذا مات الإنسان انقطع عنه عمله إلا من ثلاثة إلا من صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له .
    فهنيآ للوالدين بأبناء بارين مثلك لم يكن عطائك ورده ولكن قدمت حصاد السنين من جهد العمل في خدمة ابناء بلدك .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى