تمر الأيام سريعًا بكل مافيها..من فرح وسرور.. حزن وألم ولا يبقى لنا سوى الذكريات، وما أجمل أن يعيش المرء مع الذكريات الجميلة للحظات لتبعث في قلوبنا الحب والتفاؤل والعزيمة والإصرار. وها أنا ذا اليوم أقف مع نفسي لأتذكر صفحات من حياتي، وقد اخترت هذه المرة أن أشرككم هذه الذكريات. بعد حصولي على درجة الماجستير، انطلقت في البحث عن قبول الدكتوراه وكنت أعد خطة الدراسة ومن ضمنها البحث عن طلاب يدرسون في نفس الجامعات لمناقشتهم والتعرف عن قرب عن الكلية ونظامها ومدى رضا طلابها. تقدمت على ثلاث جامعات في بريطانيا كان منها جامعة كاردف. شدني في موقع كلية الصحة بجامعة كاردف الإلكتروني وجود عدد من الأسماء العربية مما شجعني على الاتصال بهم ومناقشتهم، وبحمد لله فقد تم الاتصال وكانت -رحمها الله- أول من رد على اتصالي الهاتفي بقسم طلاب الدراسات العليا في كلية الصحة في جامعة كاردف وسألتها عن القسم والكلية والحياة في كاردف، وقد كان ردها الجميل بمثابة البلسم الشافي ونبرات صوتها تعبر عن ثقتها بالإجابات والتساؤلات التي طرحتها عليها رحمها الله. بعد هذا الاتصال عزمت أمري، وحملت حقائبي وعقدت العزم للرحيل إلى كاردف. كان هذا أول معرفتي بشيماء أم فيصل -رحمها الله- ثم بعد وصولي تعرفت على جميع الطلاب، وكانت من خيرة الناس الذين تشرفت بمعرفتهم، وتوطدت علاقتنا حتى زارتني في بيتي وتعرفت على أهلي وكان حب بناتي لها وتعلقهم في طيرها الصغير الذي أمتعنا بصوته الندي يعني لي الشيء الكثير.
رأيت في أم فيصل الحماس والإصرار والجد والاجتهاد حتى نالت التميز واحترام الجميع في الكلية والملحقية الثقافية في لندن، وكان لها الفضل في تعريفي ببعض المنظمات الصحية التي تساهم في تطوير علمنا وخبراتنا وشاركتها حضور العديد من اللقاءات العلمية وورش العمل، كانت تكتب وتجهز تقدم وتسأل واثقة بنفسها حكيمة في ردها رحمها الله. كانت وفاتها صدمة قوية لي شخصيًّا حيث تفاجأت إن الخبر وصل إلي أولًا وعلي أن أبلغ الجميع وهو ماكان من الصعوبة بمكان، زادت الصدمة عندما تلقيت اتصال الجامعة لمناقشتي في موضوعها وعندما سألتهم ولماذا أنا؟! كانت الإجابة هي وجود اسمي كأول خيار لمناقشة أي موضوع يخصها في الجامعة رحمها الله، وعند جلوسي على طاولة الاجتماع في الجامعة بمكتب العميد افتتح اللقاء بأن من يمثل الطالب هنا يعني أن الطالب يثق فيه وبدرجة عالية، وحينها انتابني شعورًا مختلطًا بين الحزن والألم والمسؤولية… مرت الأيام الأولى عصيبة، ولكني بفضل الله استطعت أن أسهم بشكل مباشر وبتعاون الجميع في مطالبة الكلية بحقها في منحها الدرجة العلمية؛ لاسيما وأنه تم قبول الرسالة للمناقشة وبعد العديد من الاجتماعات والمتابعات تلقيت خبر الموافقة من عميد الكلية، وحينها تملكني شعور بالسعادة والفخر، ونقلت هذا الخبر لزملائي في القسم ولأهلها رحمها الله ولم أطمأن حتى شاهدتهم يختمون على الشهادة، ويقومون بإرسالها لعنوانها في المملكة. رحمك الله ياأم فيصل؛ فقد كنتي من أكثر الطلاب تميزًا علمًا وخلقًا، وعزاءنا فيك أنك تركتي لنا بعد رحيلك خيرًا كثيرًا.. علمًا ينشر ..وزوجًا يترحم وأبناء وبنات فخرًا للوطن. وختامًا:” اللهم تقبلها في عليين، واغفر لها وارحمها وتجاوز عنها، أنك أنت الرحمن الرحيم”.
أحمد الكراني
طالب دكتوراه جامعة كاردف