جبل حراء (جبل النور) فهو بمكة شرفها الله، وهو جبل مهاب عجيب الخلقة، بديع المنظر، ويبعد عن المسجد الحرام بنحو خمسة عشر كيلًا تقريبًا، وفيه نزل الروح الأمين سيدنا جبريل عليه السلام بأول الوحى المبين من القرآن الكريم على سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، حيث كان عليه الصلاة والتسليم يتنحث فى غار حراء الواقع على قمة جبل حراء. وكان قد حبب إليه الخلاء، فيمكث فى هذا الغار الأيام والليالى ذوات العدد معتزلًا عن الناس، والعجيب من هذا الغار أن يرى القاعد فيه الكعبة المشرفة مباشرة دون عوائق ولا حواجب. وهذا الجبل العظيم كان يتحنث في غاره أيضًا: جد سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف، قبل رسول الله صلى الله عليه وسلم كما جاء فى كتب السيرة . وقد صعد إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد النبوة، بل وبعد الفتح على أرجح تقدير، ومع رسول الله صلى الله عليه وسلم عشرة من أصحابه الكرام، وكلهم من المبشرين بالجنة. وهم : سيدنا أبو بكر الصديق، وسيدنا عمر بن الخطاب، وسيدنا عثمان بن عفان، وسيدنا علي بن أبي طالب، وسيدنا عبد الرحمن بن عوف، وسيدنا الزبير بن العوام، وسيدنا أبو عبيدة بن الجراح، وسيدنا سعد بن أبي وقاص، وسيدنا طلحة بن عبيد الله، وسيدنا سعيد بن زيد، رضوان الله تعالى عليهم أجمعين . وروى حديث صعود رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى حراء (جبل النور) الإمام مسلم بن الحجاج رحمه الله تعالى فى صحيحه، فقال : حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا عبد العزيز يعنى ابن محمد عن سهيل عن أبيه عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان على حراء، هو وأبو بكر وعمر وعثمان وعلى وطلحة والزبير، فتحركت الصخرة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اهدأ ، فما عليك إلا نبي أو صديق أو شهيد . ورواه الإمام أبو داود فى سننه عن أحد العشرة المبشرين بالجنة، سيدنا سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل رضى الله عنه، وهو ممن كان مع رسول الله صلى الله عليه وسلم على حراء فقال: لما قدم فلان الكوفة، أقام فلان خطيبا فأخذ بيدى سعيد بن زيد، فقال : ألا ترى إلى هذا الظالم، فأشهد على التسعة إنهم فى الجنة، ولو شهدت على العاشر لم إيثم، قال ابن إدريس: والعرب تقول آثم، قلت: ومن التسعة ؟ قال : قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم : وهو على حراء : اثبت حراء، إنه ليس عليك إلا نبي أو صديق أو شهيد. قلت : ومن التسعة ؟ قال : رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأبو بكر، وعمر وعثمان وعلى وطلحة والزبير وسعد بن أبي وقاص وعبد الرحمن بن عوف. قلت: ومن العاشر ؟ فتلكأ هنية ، ثم قال : أنا . ورواه كذلك الإمام الترمذي فى سننه عن أبى هريرة رضي الله عنه : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: كان على حراء، هو و أبو بكر وعمر، وعلي وعثمان وطلحة بن الزبير رضي الله عنهم، فتحركت الصخرة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : اهدأ ، إنما عليك نبي أو صديق أوشهيد. قال أبو عيسى وفي الباب عن عثمان وسعيد بن زيد وابن عباس وسهل بن سعد وأنس بن مالك وبريدة وهذا حديث صحيح . ورواه كذلك الإمام أحمد بن حنبل فى مسنده عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، قال : أشرف عثمان رضي الله عنه من القصر وهو محصور، فقال: انشد بالله من شهد رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حراء ؟ إذ اهتز الجبل فركله بقدمه، ثم قال : اسكن حراء، ليس عليك إلا نبي أو صديق أو شهيد، وأنا معه، فانتشد له رجال، قال : انشد بالله من شهد رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم بيعة الرضوان، إذ بعثني إلى المشركين إلى أهل مكة، قال: هذه يدي، وهذه يد عثمان رضي الله عنه ، فبايع لي ؟ فانتشد له رجال قال: انشد بالله من شهد رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : من يوسع لنا بهذا البيت في المسجد ببيت في الجنة، فابتعته من مالي، فوسعت به المسجد ؟ فانتشد له رجال، قال : وأنشد بالله من شهد رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم جيش العسرة، قال : من ينفق اليوم نفقة متقبلة، فجهزت نصف الجيش من مالي ؟ قال : فانتشد له رجال ، وأنشد بالله من شهد رومة يباع ماؤها بن السبيل فابتعتها من مالي ؟ فأبحتها لابن السبيل، قال فانتشد له رجال . ورواه الإمام ابن حبان فى صحيحه عن عبد الله بن ظالم المازني، قال : قام خطباء يتناولون عليا رضي الله عنه، وفي الدار سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل، فأخذ بيدي وقال : ألا ترى هذا الرجل الذي أرى، يلعن رجلًا من أهل الجنة، وأشهد على التسعة أنهم في الجنة، ولو شهدت على العاشر لم آثم، فقلت : من التسعة ؟ فقال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم على حراء، فقال : اثبت حراء، فإن عليك نبيا، وصديقا، وشهيدا، قلت : من هم ؟ قال : رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأبو بكر، وعمر، وعثمان ، وعلي، وطلحة، والزبير، وسعد، وعبد الرحمن بن عوف، قلت : من العاشر؟ فتفكر ساعة، ثم قال : أنا . ورواه كذلك الإمام البزار فى مسنده عن أمير المؤمنين عثمان بن عفان رضى الله عنه: أنه نشدهم، فقال : أما تعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان على حراء، وأنا معه، وأبو بكر، وذكر ناسا من أصحابه فتحرك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : اثبت، فما عليك إلا نبي أو صديق أو شهيد. أحسبه، قال: فقالوا : نعم . ورواه الإمام النسائي فى سننه عن عبد الله بن ظالم، قال : دخلت على سعيد بن زيد، وقال : ألا تعجب من هذا الظالم ؟ أقام خطباء يشتمون عليا، قال : قد فعلوه ؟ أو قد فعله ؟ أشهد أن تسعة في الجنة، قلت : من التسعة ؟ قال : كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم على حراء، فتحرك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اثبت حراء، فما عليك إلا نبي، وصديق، وشهيد، قلت: ومن كان على حراء ؟ قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأبو بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، وسعد، وطلحة ، والزبير، وعبد الرحمن بن عوف، قلت : فمن العاشر ؟ قال : أنا . ورواه الإمام الطبرانى فى الأوسط : وجاء رجل، فقال : إني أحببت عليًّا، لم أحبه لشيء قط، قال: أحببت رجلا من أهل الجنة، ثم أنشأ يحدث قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، وطلحة، والزبير، وعبد الرحمن، وسعد، ولو شئت عددت العاشر يعني نفسه، فقال: اثبت حراء، فإنه ليس عليك إلا نبي، أو صديق، أو شهيد . وهذه الأحاديث الشريفة التى رواها أئمة الحديث الشريف وعلى رأسهم الإمام مسلم فى صحيحه تؤكد صعود رسول الله صلى الله عليه وسلم جبل النور بمكة شرفها الله. ومن المرجح أنه كانت بعيد فتح مكة شرفها الله؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يبشر أحدًا بالجنة وهو بمكة قبل الهجرة، وإنما بشر من بشره بالجنة بالمدينة المنورة بدليل أن سيدنا أبا بكر وعمر وعثمان رضى الله تعالى عنهم بشرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجنة وهم بالمدينة كما فى حديث سيدنا أبي موسى الأشعرى رضى الله عنه الذى رواه الإمام مسلم فى صحيحه: أنه توضأ في بيته ثم خرج، فقال : لألزمن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولأكونن معه يومي هذا، قال : فجاء المسجد، فسأل عن النبي صلى الله عليه وسلم، فقالوا : خرج وجه ههنا، قال : فخرجت على أثره أسأل عنه، حتى دخل بئر أريس، قال : فجلست عند الباب، وبابها من جريد حتى قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم حاجته وتوضأ، فقمت إليه، فإذا هو قد جلس على بئر أريس وتوسط قفها، وكشف عن ساقيه ودلاهما في البئر، قال : فسلمت عليه ثم انصرفت، فجلست عند الباب، فقلت : لأكونن بواب رسول الله صلى الله عليه وسلم اليوم، فجاء أبو بكر، فدفع الباب، فقلت : من هذا ؟ فقال أبو بكر، فقلت : على رسلك، قال : ثم ذهبت، فقلت يا رسول الله : هذا أبو بكر يستأذن، فقال : ائذن له وبشره بالجنة، قال : فأقبلت حتى قلت لأبي بكر : ادخل ورسول الله صلى الله عليه وسلم يبشرك بالجنة، قال : فدخل أبو بكر، فجلس عن يمين رسول الله صلى الله عليه وسلم معه في القف، ودلى رجليه في البئر، كما صنع النبي صلى الله عليه وسلم، وكشف عن ساقيه. ثم رجعت، فجلست، وقد تركت أخي يتوضأ ويلحقني، فقلت : إن يرد الله بفلان يريد أخاه خيرًا يأت به، فإذا إنسان يحرك الباب، فقلت من هذا ؟ فقال : عمر بن الخطاب ، فقلت: على رسلك، ثم جئت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فسلمت عليه، وقلت: هذا عمر يستأذن، فقال : ائذن له وبشره بالجنة، فجئت عمر، فقلت أذن ويبشرك رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجنة، قال : فدخل، فجلس مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في القف عن يساره، ودلى رجليه في البئر، ثم رجعت فجلست، فقلت: إن يرد الله بفلان خيرا يعني أخاه يأت به، فجاء إنسان فحرك الباب، فقلت من هذا ؟ فقال : عثمان بن عفان، فقلت : على رسلك قال : وجئت النبي صلى الله عليه وسلم فأخبرته، فقال : ائذن له وبشره بالجنة مع بلوى تصيبه، قال : فجئت، فقلت : ادخل ويبشرك رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجنة مع بلوى تصيبك، قال : فدخل ، فوجد القف قد ملئ، فجلس وجاههم من الشق الآخر. قال : شريك فقال سعيد بن المسيب : فأولتها قبورهم . وبناء علي ذلك كانت هذه البشارة لهم بالجنة ولأول مرة بالمدينة المنورة، فعليه يكون صعود رسول الله صلى الله عليه وسلم لجبل حراء بعد الفتح بكل تأكيد. وفيه أيضا تصحيح لبعض المعلومات الخاطئة التى تقول : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يرقَ حراء أو جبل النور بعد نزول الوحى عليه صلى الله عليه وسلم فى أول البعثة، ولعل هؤلاء لم تصلهم هذه الأحاديث بعد .
ضياء محمد عطار