مثل عربي مشتهر، وأَعذَر فلانٌ: أي كان منه ما يُعذَر به، وأَنذر: قدّم الإنذار، والمعنى: إن الذي يقدم الإنذار قبل العقوبة معذور.
وتأتي “أَعذر” بمعنى: ثبت له عذر، و”عذَّر الرجل”: لم يثبت له عذر، قال الزبيدي في تاج العروس:
وبه فسَّر منْ قرأ قوله عز وجل:
«وجاء المعذّرون من الأعراب ليؤذن لهم» سورة التوبة/ 90، بالتثقيل: هم الذين لا عذر لهم، ولكن يتكلفون.
ونجد في هذه المادة من اللطائف في تاج العروس:
يقال: عذيرَك من فلان، بالنصب، أي هات من يعذرك، ومنه قول علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وهو ينظر إلى ابن ملجم:
أريد حياته ويريد قتلي
عذيرَك من خليلك من مراد
والبيت لعمرو بن معد يكرب الزبيدي كما في الأساس وأسد الغابة.
و “العذراء”: اسم مدينة النبي صلى الله عليه وسلم؛ أراها سُمّيت بذلك لأنها لم تذل.
و “عذراء”، بلا لام، على بَريد من دمشق، قُتل بها معاوية بن حجر بن عدي، قال حسان بن ثابت:
عفت ذات الأصابع فالجِواءُ
إلى عذراءَ منزلها خلاء
وهي مدينة “عدرا” كما نُسميها اليوم في سوريا.
وفي المادة فوائد وفرائد طريفة.
وفي الجذور:
العُذْرُ بالضَّمّ : م معروفٌ وهو الحُجَّةُ التي يُعْتَذَرُ بها . ويقول الباحثون في علم الأخلاق:
العُذْرُ : تَحَرِّى الإِنسانِ ما يَمْحُو بِه ذُنُوبَه وذلك ثلاثةُ أَنواع :
أَن تقولَ : لم أَفْعَل . أَو تقولَ : فعَلْتُ لأَجَلِ كذا فيَذْكُر ما يُخْرِجُه عن كونِه مُذْنِباً أَو تقولَ : فعَلْتُ ولا أَعودُ ونحو ذلك، وهذا الثالثُ هو التَّوْبةُ فكلُّ تَوبة عُذْرٌ وليس كلُّ عُذْرٍ تَوبةً ، والجمع أَعْذارٌ .
يُقَال : عَذَرَهُ يَعْذِرُهُ بالكسر فيما صَنَعَ عُذْراً بالضَّم وعُذُراً بضمتَين وبهما قُرِئَ قوله تعالى: ” فالمُلْقِياتِ ذِكْراً . عُذْراً أَو نُذْراً ” سورة المرسلات/ 5و6 .
فسره ثَعْلَبٌ فقال : العُذْرُ والنُّذْرُ واحد قال اللّحْيَانِيّ : وبعضُهُم يُثَقَّلُ “، قال أَبو جعفر : من ثَقَّلَ أَرادَ عُذُراً أَو نُذُراً كما تقول : رُسُل في رُسْل . وقال الأَزْهَرِيّ : وهما اسمانِ يَقُومَانِ مَقَامَ الإعْذارِ والإنْذَارِ ويَجُوز تَخفيفُهما وتَثقيلُهما معاً وعُذْرَي بضمٍّ مقصوراً قال الجَمُوحُ الظَّفَرِيّ :
قالتْ أُمَامَةُ لمّأ جِئْتُ زَائِرَهَا
هَلاّ رَمَيْتَ بِبَعْضِ الأَسْهُمِ السُّودِ
للهِ دَرُّكِ إِنـي قـد رَمَـيْـتُـهُـمُ
لَوْلاَ حُدِدْتُ ولا عُـــذْرَي لمَحْدُودِ
قيل : أَرادَ بالأَسهُمِ السُّودِ : الأَسْطُرَ المكتوبَةَ، وهو ما نسميه نحن اليوم الإعتذار الخطي . ومَعْذِرَةً بكسر الذَّال ومَعْذُرَةً بضمِّها جمعهما مَعَاذِيِرُ . وأَعْذَرَهُ كعَذَرَه قال الأَخْطَلُ :
فإِن تَكُ حَرْبُ ابْنَيْ نِزَار تَواضَعَتْ … فقَدْ أَعْذَرَتْنَا في طلابِكُمُ العُذْرُ والاسْمُ المَعْذرَةُ مثلَّثَةَ الذال والعِذْرَةُ بالكسر قال النّابِغَةُ :
ها إِنَّ تا عِذْرَةٌ إِلا تَكُنْ نَفَعَتْ
فإِنَّ صاحِبَهــا قد تَاهَ في البَلَدِ
يقال : اعْتَذَرَ فلانٌ اعْتِذَاراً وعِذْرَةً ومَعْذِرَةً من ذَنْبِه فعَذَرْتُه. وأَعْذَرَ إِعْذاراً وعُذْراً: أَبْدَي عُذْراً عن اللِّحْيَانِيّ وهو مَجَاز. والعَرَبُ تقول: أَعْذَرَ فلانٌ أَي كانَ منهُ ما يُعْذَرُ به. والصَّحِيح أَنَّ العُذْرَ الاسمُ والإِعْذَارُ المَصْدَرُ وفي المَثَلِ العربي المشهور موضوع مقالتنا: ” أَعْذَرَ من أَنْذَرَ “.
وفي الحديثِ الشريف: ” لقَدْ أَعْذَرَ اللهُ مَنْ بَلَغَ مِنَ العُمْرِ سِتِّينَ سَنَةً “(1).
أَي لم يُبْقِ فيه مَوْضعاً للاعْتِذَارِ حيثُ أَمْهَلَهُ طُول هذِه المُدَّةِ ولم يَعْتَذِرْ. يقال: أَعْذَرَ الرَّجُلُ إِذا بَلَغ أَقْصَى الغَايَةِ في العُـذْرِ وفي حديثِ المِقْدادِ: ” لقد أَعْـذَرَ اللهُ إِليك “، أَي عَذَرَك وجَعَلَكَ مَوْضِعَ العُذْرِ فأَسقَطَ عنك الجِهَادَ ورَخَّصَ لك في تَرْكه لأَنّه كان قد تَنَاهَى في السِّمَنِ وعَجَز عن القِتَال . وفي حديثِ ابنِ عُمَرَ: ” إِذا وُضِعَت المائِدَةُ فلْيَأْكل الرّجُلُ مّما عنْدَه ولا يَرْفَعْ يَده وإِن شَبِعَ وليُعْذِرْ فإِن ذلك يُخَجَّلُ جَلِيسَه “.
الإِعذار : المُبَالَغَةُ في الأَمْرِ أَي لِيُبَالغْ في الأَكل مثْل الحَدِيثِ الآخر: ” أَنّه كانَ إِذَا أَكَلَ مع قَوْمٍ كان آخِرَهُم أَكْلاً “. وفي البادية العربية والحجاز ونجد ولدى القبائل اليوم يتأخر سيد القوم فيكون آخرهم أكلا، كي لا يستوحش البطيؤون ومن لديهم شرهٌ للطعام، فإنْ تُرِكوا على المائدة وحدهم استوحشوا وخجلوا وقاموا عن الطعام ولمّا يقضوا منه وطرهم، فيبقى سيدُ القوم يؤانسهم على الطعام!!!
ويقولون: أَعْذَرَ الرَّجلُ إِعْذاراً إِذا كَثُرَتْ ذُنُوبُه وعُيُوبُه صار ذا عَيْب وفَسادِ كعَذَرَ يَعْذِرُ وهما لُغَتَان نقلَ الأَزْهَرِيُّ الثانِيَةَ عن بعضِهِم قال: ولم يَعْرِفْهَا الأَصْمَعِيُّ قال: ومنه قولُ الأَخْطَلِ الشاعر:
فإِن تَكُ حَرْبُ ابْنَيْ نِزَارٍ تَواضَعَتْ
فقد عَذَرَتْنَا في كِلابٍ وفي كَعْبِ
ويُرْوَى: ” أَعْذَرَتْنَا ” أَي جَعَلَتْ لنا عُذْراً فيما صنَعْناهُ ومنه قولُه صَلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ” لَنْ يَهْلِكَ النّاسُ حتّى يُعْذِرُوا من أَنْفُسِهِمْ “. يقال: أَعْذَرَ من نَفْسِهِ، إِذَا أَمْكَنَ مِنْهَا يَعْنِي أَنّهم لا يَهْلِكُون حتى تكثُرَ ذُنُوبُهم وعُيُوبُهم فيَعْذِرُوا من أَنْفُسِهِمْ ويسْتَوْجِبُوا العُقُوبَة ويكون لمن يُعَذِّبُهُم عُذْرٌ كأَنَّهُم قامُوا بِعُذْرِهِ في ذلك.
ويُرْوَى بفتح الياءِ من عَذَرْتُه، وهو بمعناه وحقيقةُ عَذَرْتُ: مَحَوْتُ الإِسَاءَةَ ازلتها وطَمَسْتُهَا، وهذا كالحَدِيث الآخَر : ” لنْ يَهْلِكَ علَى اللهِ إِلا هَالِكٌ “. وقد جَمَعَ بينَ الرِّوايتَين ابنُ القَطّاعِ في التَّهْذِيب، فقال : وفي حَدِيثِ:” لا يَهْلِكُ النّاسُ حَتّى يُعْذِرُوا من أَنْفُسِهِم ” ويَعْذِرُوا( بضم الياء وفتحها). أَعْذَرَ الفَرَسَ إِعْذَاراً : أَلْجَمَهُ كعَذَره وعَذَّرَه . عَذَّرَه: جَعَلَ له عِذَاراً لا غير، وأَعْذَر اللَّجَامَ : جَعَلَ له عِذَاراً . أَعْذَرَ الغُلاَمَ إِعْذَاراً: خَتَنَه، وكذلك الجارِيَةَ (أي خفض الجارية، والخفض للبنات كالختان للأولاد) كَعَذَرَهُ يَعْذِرُه عَذْراً وهو مَجاز، قال الشاعرُ:
في فِتْيَةٍ جَعَلُوا الصَّلِيبَ إِلاَهَهُمْ
حـاشَـايَ إِنّـي مُسْــلِمٌ مَعْــــذُورُ
أي مسلم بدليل أني مختون، والنصارى لا يختنون أولادهم عادة !
وفي حديثِ الإِفْكِ: ” مَن يَعْذِرُنِي من رَجُل قد بَلَغَني عنه كذا وكذا ؟ فقال سَعدٌ : أَنا أَعْذِرُكَ منه ” أَي مَن يَقُومُ بعُذْري إِن جازيتُه على سُوءِ صَنِيعه فلا يَلُومُني وفي حديث أَبي الدَّرْدَاءِ: ” مَنْ يَعْذِرُني من مُعَاويةَ ؟ أَنا أُخْبِرُه عن رَسُولِ الله صلى اللهُ عليه وسلم وهو يُخْبِرُنِي عن نَفْسِه “؟؟؟
وقال حاتِمٌ:
أَمَاوي قد طَالَ التَّجَنُّبُ والهَجْرُ
وقد عَذَرَتْنِي في طِلابِكُمُ العُــذْرُ
أَماوِيَّ إِنَّ المالَ غــادٍ ورائِــحٌ
ويَبْقَى مِنَ المالِ الأَحادِيثُ والذَّكْرُ
وقد عَلِمَ الأَقْوَامُ لو أَن حاتِمـاً
أَرادَ ثــراءَ المالِ كان له وَفْـــــرُ
العَذِيِرُ: النَّصِيرُ يقال : مَن عَذِيِرِي من فُلانٍ ؟ أَي مَنْ نَصِيرِي؟ والعِذَارُ من اللِّجامِ بالكسرِ: ما سَالَ على خَدَّ الفَرَسِ هو نَصُّ المُحْكَمِ. وفي التَّهْذِيبِ: وعِذَارُ اللِّجامِ: ما وَقَعَ منه على خَدَّيِ الدَّابَّةِ. قيل: عِذَارُ اللَّجَامِ: السَّيْرَانِ اللّذَانِ يَجْتَمِعَانِ عند القَفَا يقال : عَذَرَ الفَرَسَ بهِ أَي بالعِذَارِ يَعْذِرُه بالكَسْر ويَعْذُرُهُ بالضم شّدَّ عِذَارَهُ كأَعْذَرَهُ إِعْـذاراً . وقيل: عَذَّرَه: جَعَلَ له عِذَاراً لا غَيْر وأَعْذَرَ اللِّجَامَ : جَعَلَ له عِذَاراً، وفي الحَديثِ الشريف: “لَلْفَقْرُ أَزْيَنُ للمُؤْمِنِ من عِذَارٍ حَسَنٍ على خَـــدَّ فَرَسٍ”. قالوا : العِذَاراَنِ من الفَرَسِ كالعَارِضَيْنِ مِنْ وَجْهِ الإِنْسَانِ، والعارضــان للرجل لِحياه. هذا والله أعلم، والحمد لله رب العالمين.
حاشية:
(1)_قال صلى الله عليه وسلم : ( أعذر الله إلى امرئ أُخِّرَ أجله حتى بلغ ستين سنة ) رواه البخاري وغيره . قال الحافظ في ” الفتح ” ( 10 / 240 ) : الإعذار : إزالة العذر . والمعنى: أنه لم يبق له اعتذار، كأن يقول : لو مد لي في الأجل لفعلت ما أمرت به . ولقد فطن سلفنا الصالح إلى أمر الستين فأولوها عناية زائدة خاصة بها، واستقبلوها خير استقبال، فهذا البخاري – رحمه الله – قد تكلم في صحيحه عن الستين عاما فقال : باب من بلغ ستين سنة فقد أعذر الله إليه في العمر لقوله تعالى : “أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ” [فاطر: 37]، النذير يعني الشيب، ثم أورد بسنده حديثا عن أبي هريرة – رضي الله عنه – عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : «أعذر الله إلى امرئ أخر أجله حتى بلغه ستين سنة». وقال النووي: قال العلماء: معناه لم يترك له عذراً إذ أمهله هذه المدة، يقال: أعذر الرجل إذا بلغ الغاية في العذر (رياض الصالحين).
قال ابن منظور: وفي الحديث: «لقد أعذر الله إلى من بلغ من العمر ستين سنة» أي: لم يبق فيه موضعا للاعتذار حيث أمهله طول هذه المدة ولم يعتذر، يقال: أعذر الرجل إذا بلغ أقصى الغاية في العذر، وفي حديث المقداد: لقد أعذر الله إليك، أي: عذرك وجعلك موضع العذر(لسان العرب) .وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «معترك المنايا ما بين الستين إلى السبعين».