لقد أُنشئ مركز الملك عبد العزيز للحوار الوطني قبل عدة سنوات، وكان الهدف منه نشر ثقافة الحوار بين أبناء الوطن وجعلها أسلوبًا للسلوك العام في المجتمع .. وهو ما يقود إلى الحوار الراقي البعيد عن التشنج والتعصب، بل انتشرت مراكز للحوار مع الحضارات الأخرى والعقائد والديانات المختلفة التي أسس لها الملك عبدالله بن عبدالعزيز – طيب الله ثراه – في بعض الدول الأوروبية مثل النمسا وإسبانيا وغيرهما.. لتكون منبرًا لنشر قيم ومبادئ التسامح الديني الإسلامي. وبالرغم من إقامة المؤتمرات السنوية للحوار الوطني بعناوين مختلفة، وبالرغم من إقامة المحاضرات الثقافية للرموز المشاركة والمعتمدة في بث ونشر ثقافة الحوار في المجتمع. إلا أنه وللأسف لازال معطلًا عن المستوى الذي نطمح إليه ..!! فالحوار لم يعد بين الأشخاص في مكان محدد فحسب، بل اتسعت دائرته فتجاوزت الزمان والمكان بانتشار مواقع التواصل الاجتماعي وأصبحت المنافحات الجدلية في كل مواقع التواصل تُنبئ عن ضعف حقيقي في أسلوب الحوار الراقي في المجتمع .. فلا تكاد تدخل تويتر أو الفيس بوك وحتى الأكثرها شعبية الواتس آب .. حتى تجد المهاترات الجدلية والمناقشات الساخنة التي تصيب الإنسان بالتوتر؛ حتى ولو لم يكن مشاركًا في الجدل ولكن أن يستمع إلى هذه الحوارات فهو ضرب من إتلاف الأعصاب وهدر للوقت الذي سنسأل عنه. وكثيرًا ما خرجت من (مجموعات الواتس أب)؛ حيث إن مبدئي : ﴿ .. وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا﴾. والله سبحانه وتعالى يسمع حواراتنا فقد سمع حوار رسوله من فوق سبع سموات حينما جادلته الصحابية خولة بنت ثعلبة في زوجها؛ حيث أرادت العودة لزوجها الذي ظاهرها .. وكان الرسول عليه الصلاة والسلام يرى أنها قد حُرمت عليه .. فنزلت الآية الكريمة بعد دعاء المرأة : ﴿ قدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ﴾ الآية (1) المجادلة. إن من أهم معايير آداب الحوار الإسلامي: احترام الرأي الآخر، والتحدث بلباقة واستخدام عبارات مهذبة، وعدم الخوض في الأسماء والشخصيات؛ لأن العقول الكبيرة تناقش الأفكار بينما العقول الصغيرة تناقش الأسماء والذوات .. والأخذ بمبدأ أن الاختلاف في الرأي لا يفسد للود قضية. كما أن اختيار الوقت المناسب للحوار مهم جدًا، فللأسف بعض الحوارات تكون بعد الظهيرة والناس عائدة من العمل متعبة مرهقة وتجد حوارات ساخنة .. تؤدي إلى إشعال فتيل الخصومة وهو ربما ناتج عن عدم الصبر على المخالف .. بل إن الترفع عن النقاش أفضل من الخوض في غماره مع الحمقى والجهلاء، لقول الفيلسوف اليوناني «فيثاغورث»: “لا تُجادل الأحمق فقد يُخطِئُ الناسُ في التفريقِ بينكما”. ومن القصص الطريفة التي تطرح لبث مفهوم الحوار هي : إن عقربتان وضعتا في وعاء مغلق وقد خافت كل واحدة منهما من الأخرى فتحاورتا وتعاهدتا على ألا تؤذي أي منهما الأخرى، ولكن بعد فترة بدأ الشك يدب في نفسيهما وتجادلتا واتفقتا على نزع شوكتيهما؛ بأن تنزع كل واحدة شوكة الأخرى بصورة متزامنة.. وهكذا حتى اقتلعت كل واحدة منهما شوكة الأخرى فعاشتا بأمان. صحيح أن هذه القصة تدل على أهمية الحوار حتى بين أعتى الأعداء وهو يقود إلى نتيجة طيبة ومرضية، ولكن أختلف شخصيًّا مع المبدأ؛ من أن الحوار ليس ضروريًّا أن ينتهي إلى قناعة تامة من الأطراف فقد تبنى بعض الأمور على غير قناعة ولكن نحترم الطرف الآخر. وقد تحاورت مع صديقة أمريكية حول: (قطع يد السارق في الإسلام)، وهذه من أكثر الأمور جدلية عند الغرب وأنه منتهى الوحشية أن تقطع يد إنسان. وحاولت إقناعها بأنها صحيح عقوبة قاسية، ولكنها صمام أمان للمجتمع من عدم حدوث جريمة السرقة ربما مطلقًا للخوف من العقاب .. وهو أسلوب للحد من الجريمة .. ولكنها أكدت على وجود عقوبات أخرى ممكنة – ولم تقتنع كما كنت أتوقع – ولكنها ابتسمت واحترمت رأيي الإسلامي؛ لأنه جزء من عقيدة وقيم وأخلاق الطرف الآخر. وهكذا في كل حواراتنا ليس من الضرورة أن نصل إلى قناعات تامة خاصة في الأمور العقدية والاقتصادية والسياسية .. يكفي إن حدث تلاقح في الأفكار والآراء وكل طرف قد أبدى المفاهيم والقيم والمبادئ المشتركة.. التي تؤدي إلى الانسجام، وهذا ما تقوم عليه قيم الحوار وهو الوصول إلى المشتركات .. فلما نعطل هذا القيم ليحل محلها الشحناء والبغضاء مع إن الله سبحانه وتعالى يقول : ﴿وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ﴾.
فاتن محمد حسين
عندما نتخلق بأخﻻق الكريم ويصبح سلوكنا…
عندما نتخلق بأخﻻق سيدنا محمد صل الله عليه وآله وصحبه وسلم وتصبح سلوكنا…
عندما نحقق ونطبق اﻵية الكريمة في قول الله سبحانه وتعالى (مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ ۚ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ ۖ …)
عندها يتحقق المراد باﻷدب واﻷسلوب والطريقة…لذلك الحوار والنقاش ، ونرتقي بالفكر والمنطق والخلق الحسن…إمتاثﻻ ﻷمر الله سبحانه وتعالى(وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا…)
وقوله عليه أفضل الصلاة والسلام(… وخالق الناس بخلق حسن)، نﻻحظ كلمة الناس على إطﻻقها…والله المستعان
شكراً لك استاذة فاتن على هذا المقال الذي يمس واقعنا ملامسة جادة فالحوار مطلب مهم بين الانسان ونفسه قبل ان يكون بين الانسان والآخر ، وللاسف حواراتنا دوماً ساخنة سواء بالقول او الفعل او باللمز والهمز .. مع ان اسلامنا بحث على الحوار الراقي دون تشنج او تعصب ولنا عبرة ساقها لنا القرآن في حوار يوسف مع فرعون وغيرها من القصص والاثار.
شكراً لك استاذة فاتن على هذا المقال الذي يمس واقعنا ملامسة جادة فالحوار مطلب مهم بين الانسان ونفسه قبل ان يكون بين الانسان والآخر ، وللاسف حواراتنا دوماً ساخنة سواء بالقول او الفعل او باللمز والهمز .. مع ان اسلامنا بحث على الحوار الراقي دون تشنج او تعصب ولنا عبرة ساقها لنا القرآن في حوار موسى مع فرعون وغيرها من القصص والاثار.