بدأت الخميس قمة منظمة التعاون الإسلامي في اسطنبول واستلمت فيها أنقرة رئاسة الدورة الحالية من وزير الخارجية المصري الذي لم يذكر اسم للرئيس أردوغان أثناء خطاب تسليمه للرئاسة، وهو مؤشر غير جيد للعلاقات المصرية التركية. وتأتي هذه القمة بعد اختتام زيارة خادم الحرمين الشريفين لتركيا التي جاءت تلبية لدعوة الرئيس رجب طيب أردوغان والتي تمت قبل يومين من انعقاد القمة لتتيح لخادم الحرمين وللرئيس التركي بحث قضايا المنطقة، ولا شك بحث قضية الخلاف التركي المصري وهي إحدى أهم النقاط التي يمكن الحديث حولها قبيل هذه الدورة والتي أتوقع أن تظهر نتيجتها النهائية مع نتائج هذه الدورة، رغم المؤشرات الأولية الغير مريحة.
هذا اللقاء بين الزعيمين هو الرابع منذ عام، وقد نتج عن اللقاءات السابقة إنشاء مجلس التعاون الاستراتيجي الذي يركز على التعاون المشترك في عدد من المشاريع الأمنية والعسكرية والسياسية والاقتصادية والتجارية والعلوم والطاقة. وتتفق الحكومتان في الشأن السوري وتحديدًا في ضرورة رحيل الأسد رغم بعض الخلافات حول طبيعة ونوع المعارضة التي يدعمها الطرفان. ويأتي حضور خادم الحرمين الشريفين وزيارته لتركيا كأحد أهم الأسباب؛ لتحريك وتفعيل القضية السورية والأزمة التي يُعانيها الشعب السوري بوجود رئيس النظام السوري واستمراره في السلطة من خلال الوصول مع الرئيس التركي إلى اتفاق ما من شأنه دفع المجتمع الدولي لاتخاذ خطوات إيجابية لإنجاح جنيف، والتعجيل بحل تلك الأزمة خاصة بعد سقوط قرية الراعي الحدودية في أيدي مقاتلي داعش بوصفها نقطة عبور لقواتها من وإلى تركيا. إضافة إلى تشديد المعارضة السورية على أن الدعم الروسي الإيراني لنظام الأسد أو تصعيد الموقف العسكري لن يغير من موقفهم ومطالبتهم بإنشاء هيئة حكم انتقالية كاملة الصلاحيات خالية من أي رمز للنظام السوري. إلى جانب ذلك يتفق الطرفان على دعم الشرعية في اليمن كما تدعم تركيا موقف التحالف العربي في اليمن. إضافة إلى الشراكة السعودية التركية في مجال التصنيع العسكري واتفاقهما على تأسيس شركة للصناعات الدفاعية الإلكترونية لصناعة وتصميم وتطوير الرادارات ومعدات الحرب الإلكترونية في المملكة. كما أن قاعدة “أنجرليك” التركية تستضيف طائرات سعودية منذ فبراير الماضي في إطار التحالف الدولي لمقاتلة تنظيم داعش. جميع ما سبق مؤشرات على أهمية هذه الزيارة وربطها بما سبقها وبما سيلحقها؛ حيث ستبحث الدورة الثالثة عشرة لمؤتمر القمة الإسلامي تحت شعار “الوحدة والتضامن من أجل العدالة والسلام” عددًا من الملفات المتعلقة بالسلم والأمن ومحاربة الإرهاب والتطرف ودعم التنمية وقضايا الطفولة والمرأة وغيرها من القضايا التي تهم المجتمعات المسلمة. ولعل أهم ما ستبحثه القمة هو القضية الفلسطينية التي خفت البحث فيها في السنوات القليلة الماضية نتيجة للأحداث المؤسفة التي يُعاني منها عالمنا العربي، والتي أضحت للأسف الشديد ورقة تستخدمها بعض الأنظمة العربية والإسلامية للمزايدة والمتاجرة. ونأمل أن تتمكن هذه القمة من إعادة القضية الفلسطينية إلى الواجهة مرة أخرى لتصبح قضية الحقيقة والعدالة والحرية، كما كانت سابقًا. ولعل أهم ما يمكن أن تبحثه القمة هو التدخلات الإيرانية في شؤون الدول العربية والذي أتمنى معه أن تتم الموافقة على الطلب السعودي بتضمين مادة في البيان الختامي لإدانة إيران لهذه التدخلات، كما أن من المتوقع أن ينال حزب الله اللبناني نصيبه من النقد من بيان القمة الختامي بوصفه الأداة والوسيلة التي تستخدمها إيران في سوريا وغيرها. نأمل ذلك، ونود الإشارة والتأكيد على أن العلاقات التركية العربية بوجه عام والسعودية بشكل خاص بدأت في التغيير للأفضل بعد التوجه التركي الإيجابي والذي أبداه الرئيس التركي بموافقته أولًا على اللقاء الذي أجرته قناة العربية معه، وهي القناة المعادية للإخوان والمضادة له ولحزبه الإخواني في التوجهات، ثم بزيارته للسعودية بعدها بيومين فقط. هذه كانت إشارات مشجعة لبدء المسيرة مع تركيا الإخوانية العلمانية حتى بلغت اللقاءات بين الزعيمين أربعة لقاءات خلال عام واحد فقط، ثلاثة منها في ستة أشهر فقط. ومما لا شك فيه أن محادثات الطرفين ستتركز حول مصر وسوريا. ورغم الاختلاف في سياسة الدولتين نحوهما فإن الحاجة الآن ماسة إلى اتفاقهما تمامًا بعد التغييرات الأخيرة على الساحة السورية وعلى الإرادة التركية، ولا ننسى أهمية العامل الاقتصادي في تقريب وجهات النظر واتحادهما. وتبقى مسألة محاربة الإرهاب هي العقدة، فهي مسألة في حد ذاتها مثيرة للشك وغير قابلة للتعريف، فالتنظيم الإخواني في مصر والسعودية هو تنظيم إرهابي، بينما في تركيا هو تنظيم يحكم الدولة بنظام علماني، كما أن شعار “رابعة” الذي يرفعه الرئيس التركي تحظره بعض الدول الإسلامية وتصفه بأنه رمز للإرهاب. وكذلك الحال بالنسبة لتنظيم حركة أحرار الشام التي يراها البعض بأنها تنظيم إرهابي بينما يراها الآخرون جزء من المعارضة السورية. هذا معناه بكل بساطة أن الدورة الحالية لمنظمة المؤتمر الإسلامي تحت الرئاسة التركية لن تتحدث إلا عن إرهاب داعش فقط، وأن الأمين العام للمنظمة معالي الأستاذ إياد مدني سيتناول القضايا التي يتفق حولها الأطراف ذوي العلاقة، كما سيركز على جوانب الاتفاق ويتفادى نقاط الاختلاف ليضمن نجاح الدورة وبيانها الختامي المتوقع غداً الجمعة.
مقال جيد في المجمل..بعد تجاوز نقاط الخلاف فيه معك.
تحياتي أستاذ جمعان
تسلم أخ عبدالعزيز.