على خلفيّة إعلان سمو ولي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان البدء بإصدار البطاقة الخضراء للمقيمين في السعوديّة خلال الأعوام الخمسة المقبلة في لقائه اليوم على قناة العربيّة والذي أوضح من خلاله رؤية التحول الوطني 2030، فإنه من الجدير الوقوف عن كثب على أبعاد تلك الخطوة من الناحيتين الاقتصادية والاجتماعية. البطاقة الخضراء هي بمثابة تصريح للعيش والعمل بصفة دائمة، وهي تُعد بطاقة هويّة مشابهة إلى حدٍّ كبير لتلك البطاقة التي يتحملها المواطنون، وحامل البطاقة الخضراء تمنحه الإذن بالإقامة والتنقّل دون اشتراط حصوله على تأشيرة، كما تمنح حاملها إمكانيّة ممارسة أي نشاط تسمح به الدولة، إلى جانب إنشائه لمشاريع خاصّة به أسوة بالمواطنين. نظام البطاقة الخضراء ليس مجديًّا اقتصاديًّا فقط من خلال توسيع الاستثمارات في الداخل وفرض رسوم على مرتبات الأجانب والحد من هجرة الأموال إلى الخارج، إنما يمتد أثره إلى الجوانب الاجتماعيّة، كحال المتزوجين من مواطنات سعوديّات، أو المتزوجات من مواطنين سعوديين، أو لمّ شمل المقيمين إقامة دائمة بأسرهم داخل الدولة، إذ تُعد بديلًا مناسبًا لسياسة التجنيس التي غالبًا ما تتحفّظ على منحها الدول للإبقاء على حقوق خاصّة يحظى بها المواطن الأصلي كحقّ التصويت في الانتخابات أو الترشّح لأي منصب حكوميّ. وعادة ما تُمنح البطاقة الخضراء للمقيمين المتميزين في مجالات العلوم والفنون والتعليم والبحث العلمي والرياضة وحاملي الشهادات العليا وممن لديهم قدرات استثنائيّة بإمكانها أن تنعكس إيجابًا على الوطن لما يمثلونه من دور بارز في رفع مستوى منافسة الدولة في المجالات الحديثة، وهو الأمر المعمول به في الولايات المتحدة الأمريكيّة التي تستثمر في عقول المهاجرين الذين كان لهم أثرهم الهام في صناعة قوّة أكبر دولة في العالم. وتحدد الدول في نظام منح البطاقة الخضراء للمقيمين نسبًا معيّنة لكل دولة، بحيث لا تعطي البطاقة لأكثر مما نسبته 7 بالمائة من الأشخاص المنتمين لذات البلد، بهدف الحفاظ على التركيبة السكانيّة، ومنع حدوث أي تكتلات قد تضر بمصلحة الوطن، إلى جانب إيجاد توازن وتنوّع في جنسيات المقيمين ما يسهم في إثراء المجتمع علميًّا وثقافيًّا. وإن كانت البطاقة الخضراء تعني الإقامة الدائمة، إلا أنه من حقّ الدولة أن تصدر أمرًا بسحب البطاقة في حال أخلّ حاملها بالاشتراطات المحددة من أجل الحصول عليها، ما يمنح الدول مرونة في مراجعة نشاطات أولئك الأشخاص المقيمين فوق أرضها، وتقييم مدى استفادة الوطن منهم، والحد كذلك من تجاوزاتهم إن بدر منهم أي تصرفات تتنافى مع السياسة العامة أو المصالح الاقتصادية أو الأعراف الاجتماعية أو المبادئ الدينية. التوجه نحو إقرار إصدار البطاقة الخضراء للمقيمين يُعد توجهًا استثنائيًّا سيمكّن المملكة من الاستفادة على نحو أفضل من الوافدين إلى أرضها، وتوجد استقرارًا اقتصاديًّا واجتماعيًّا يسهم في تنمية المجتمع، وتخلق جوًا من الودّ فيما بين الدولة والمقيمين فيها ما يجعل الوافد يقدّم أفضل ما لديه لخدمة البلد الذي منحه تلك البطاقة وميّزه عن غيره من الوافدين.
ياسر صالح البهيجان
ماجستير في النقد والنظرية