الإلحاد ظاهرة متفشية في المجتمعات الغربية، وهي تُعد نزعة لا دينية ترى بأن أتباع الأديان مجرد قطيع من الأغنام ينساقون خلف ما يظنونه مقدسًا، وهذه اللوثة الفكرية انتقلت مؤخرًا إلى مبتعثة سعودية في بريطانيا، لتعلن صراحة تخليها عن الدين الإسلامي وتطلب على إثر ذلك لجوءًا؛ لكي لا يطبق في حقها حكم الردة إن عادت إلى الأراضي السعودية. المجتمعات الغربية لا ترى بأن الإلحاد يُشكل خطرًا على هويتها ما دام الملحد ملتزمًا بالقوانين الوضعية، فهي دول علمانية لا تقيم للأديان وزنًا على مستوى إدارة شؤون الدولة، أما المجتمع السعودي فإن الإلحاد يهدد بنيته وتكوينه وجوهره؛ لأنه تأسس على منطلقات حددها القرآن الكريم والسنة النبوية، ومنها يستقي أفراد المجتمع القيم النبيلة والأخلاق السامية، ويؤمن المواطن بأن من تخلى عن دينه هو متخل بالضرورة عن مجتمعه وعاداته وتقاليده وقيمه. ومن الخطأ الجسيم الحكم على تجربة الابتعاث بتسليط الضوء على النماذج الشاذة والخارجة عن المألوف، فالابتعاث سمة حضارية وسلوك تقدم عليه الدول الطامحة للاستفادة من العلوم الحديثة، وليس بالإمكان أن يحقق أي مجتمع تطورًا معرفيًّا دون أن يطّلع على الثقافات الأخرى، كما أن الانكفاء على الذات لن يولد إلا التخلف والرجعية واجترار منجزات الماضي. لنكون منصفين علينا أن ننظر كذلك للجانب المشرق في مشروع الابتعاث، فكم من عقول سعودية عادت إلى أرض الوطن وسخرت جهودها ومعارفها في خدمة أبنائه عبر المؤسسات التعليمية والتربوية؟ وكم من طبيبٍ مواطن عاد إلى وطنه واستخدم مشرطه للتخفيف من آلام المرضى؟ وكم من مهندس غيور رجع إلى المملكة وهو يساهم الآن في تخطيط شوارعها وتنميتها حضاريًّا وبيئيًّا؟؟ المجتمع تعامل مع خبر إلحاد المبتعثة السعودية بشيءٍ من الغضب؛ لأنه لم يعتد رؤية أحد أبناء أو بنات جلدته يعتنق ديانة غير الإسلام، وعليه أن يدرك بأن المرحلة الحالية وفي ظل انفتاح العالم على بعضه ليس هناك أمرًا مستغربًا، ولا وجود لما هو مستحيل في زمن تبادل الأفكار دون قيود. اختلاط أفراد المجتمع السعودي بالمجتمعات الغربية يفرض تحديًّا جديدًا لم يكن في حسبان الأسر السعودية، وهذا الواقع يتأسس على إعادة هيكلة الطرق التي يتعلم أبناؤنا بها مفهوم التدين وجوهر الدين الإسلامي عبر استبدال أسلوب التلقين البالية بأساليب الإقناع والحوار، علينا أن نكون أكثر انفتاحًا في استقبال أسئلة الشباب والفتيات حول قضايا الدين كافة دون أن نلزمهم الصمت أو نصفهم بالضلال؛ لأن عقولهم طرحت تساؤلات لا ينبغي أن تطرح أو لم يعتد المجتمع على طرحها في السابق. الشبهات كثيرة وإن لم تتسع صدور أولي العلم لها؛ فإن الفساد الديني سيكون عنوانًا للمرحلة المقبلة، والحفاظ على تدين المجتمعات لا يتحصل بأساليب الترهيب، إنما باجتذاب المنتمين إليه والاستماع لما لديهم وهذا هو الحل الأمثل؛ لكي نجد أبناءنا فجأة خارج ربقة الإسلام.
ياسر صالح البهيجان
ماجستير في النقد والنظرية ياسر البهيجان