المقالات

الإمارات تقرأ..وخير جليس في الزمان كتاب

من الأخبار السارة التي قرأتها خلال هذا الأسبوع ..إعلان دولة الإمارات العربية المتحدة عن مشروعها الاستراتيجي للقراءة لعشر سنوات قادمة من (2016 إلى 2026). خُصص لها صندوق وطني للقراءة بمبلغ 100 مليون درهم …وإصدار قانون وطني يستهدف ترسيخ متعة القراءة لكل مواطن من مختلف الفئات والأعمار. ويتضمن القانون (30) توجيهًا وطنيًّا رئيسيًّا في قطاعات التعليم والصحة والثقافة وتنمية المجتمع والإعلام، وتعزيز الأصول الذهنية والفكرية والقافية لشعب الإمارات .. وقد لفت نظري ماقاله سمو رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان.. بمناسبة الاحتفال بإطلاق هذه المبادرة الثقافية الرائدة. إن دولة الإمارات انتقلت خلال العقود السابقة من دولة تسعى إلى محو الأمية إلى دولة تسعى للمنافسة العالمية في المجالات التقنية والعلمية.

والقراءة والمعرفة هي مفتاح التفوق والمنافسة في هذا المجال. . ولعل مصدر السعادة والسرور بهذه المبادرة الإماراتية هو ماتعكسه التقارير والإحصائيات الصادرة عن المنظمات الدولية والعربية عن تدني مستويات التنمية الثقافية في الوطن العربي بأسره؛ حيث يبلغ متوسط قراءة الفرد العربي نحو 6 دقائق سنويًّا في حين يصل متوسط قراءة الفرد في أوروبا على سبيل المثال نحو200 ساعة سنويًّا، وأن متوسط القراءة الحرة للطفل العربي خارج معدل مايقرأه من الكتب المدرسية لايتجاوز دقائق معدودة مقابل 12 ألف دقيقة للطفل الأوروبي. وأن معدل قراءة المواطن العربي سنويًّا لايتجاوز نصف صفحة بينما معدل قراءة الفرد الياباني على سبيل المثال 11 كتابًا ومعدل قراءة المواطن الأوروبي 7 كتب سنويًّا. وفي حين يصل معدل القراءة السنوية للشخص الواحد في العالم 4 كتب فإن كل مليون عربي يقرأون 30 كتابًا. . ولاشك أن هذه الأرقام الصادمة لمستوى الإقبال على القراءة في الوطن العربي تعكس صورة غير إيجابية على الإطلاق لأمة عرفت بأمة اقرأ ..وكانت حضارتها حتى عهد قريب مصدر إشعاع لحضارات أخرى استوعبت فكرتها ثم سبقتها. .وبدون الخوض في الأسباب التي أدت إلى تدني مستوى الثقافي في الوطن العربي. فإن ماذكرناه آنفا يتطلب حلولًا جذرية لمعالجة الأسباب والوصول إلى وثبة تعيد للقراءة وهجهها وحضورها في أرجاء بلادنا العربية. ومن هنا يأتي السرور والإعجاب بإقدام دولة الإمارات العربية المتحدة على إطلاق مشروعها الحضاري الهام بجعل القراءة مهمة استراتيجية للأعوام العشر القادمة. وفي معرض حديثه لتوضيح الأهداف والخطوات العملية لتنفيذ هذه الاستراتيجية الوطنية أشار وزير شؤون مجلس الوزراء والمستقبل ..رئيس اللجنة العلياء لعام القراءة محمد عبدالله القرقاوي إن الخطة تستهدف أن تصبح القراءة عادة لدى 50 في المائة من الأفراد البالغين الإماراتيين و 80 في المائة من تلاميذ المدارس، وأن يكون متوسط مايقرأه التلميذ بشكل اختياري 20 كتابًا في العام على الأقل. وأن يقرأ 50 في المائة من أولياء الأمور لأطفالهم.

وقال إنه تم تشكيل فريق عمل من مائة شخص اطلعوا على أكثر من مائة دراسة عن القراءة في العالم كما اطلعوا على استراتيجيات 7 دول اجنبية، وأجروا مقابلات داخلية مع 47 جهة محلية واتحادية معنية بهذا الموضوع وأشرفوا على مسح وطني للقراءة هو الأول من نوعه لمعرفة أين تقف الإمارات في مجال القراءة حاليًّا وكشفت نتائج المسح التي شملت 12 ألف مواطن أن مجموع مايقرأه المواطن الإماراتي يصل لنحو1,5 كتاب في العام وأن 78 في المائة من البالغين لايقرأون بشكل اعتيادي واختياري. وأن ماتضمه المكتبات المنزلية للإماراتيين من كتب لايتجاوز 20 كتابًا فقط في المتوسط مقارنة بـ200 كتاب في بريطانيا وأن متوسط مايقرأه التلميذ الإماراتي هو أربع كتب سنويًّا مقارنة بـ40 كتاب يقرأها الطالب الكوري الجنوبي. وأن 50 في المئة من طلاب المدارس والجامعات الإماراتية لا توجد عندهم عادة القراءة . .ولاشك أن أهل الإمارات الأعزاء يدركون حجم التحديات التي يواجهها أي مشروع ثقافي بهذا الحجم. لذلك فقد كان الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة حاكم دبي واضحًا في حديثه حينما قال إن ترسيخ القراءة في الأجيال الجديدة عمل طويل المدى ونتائجه عميقة الأثر ولايمكن الحكومة وحدها أن تصنع تغييرًا بدون مساهمة الأسر ومساهمة جميع فعاليات المجتمع من مؤسسات حكومية وخاصة وجمعيات نفع عام وناشرين وأدباء ومثقفين متخصصين .. فلايوجد اقتصاد معرفة بدون مجتمعات المعرفة ..ولايمكن بناء استراتيجيات بدون بناء أجيال وأسر متماسكة. ولايمكن بناء مجتمع متسامح ووعي مجتمعي حضاري وهوية وطنية راسخة بدون ثقافة وقراءة واطلاع ومعرفة.

وقبل أن نختم يجدر بنا القول إن المشروع الإماراتي مشروع طموح نتمنى من أعماق قلوبنا أن يتحقق وينجح ويثمر حتى يكون مثالًا يحتذى به في سائر أنحاء الوطن العربى. فالقراءة إلى جانب أنها متعة ذهنية فهي باب واسع للمعرفة بكل أبعادها. فهل يأتي اليوم الذي تصبح فيه القراءة أحد أهم عاداتنا مثل الشعوب المتقدمة ذات الإيقاع السريع الذي تعيشه في جوانب حياتها المختلفة؟! إلا أنهم مغرمون بالقراءة منحازون للكتاب كخير جليس في كل زمان ومكان. .على اختلاف أعمارهم ودرجة تعليمهم والأعمال التي يقومون بها. …فهم لايفوتون لحظة ممكنة من أجل تصفح ماتجود به مطابعهم وتعرضه مكتباتهم ودور نشرهم. وتجدههم يقرأون جلوسًا ووقوفًا. .يقرأون وهم ينتظرون وسائل المواصلات أو هم في داخلها. يقرأون رغم تعدد الوسائل التي يمكن أن تصرفهم عن القراءة. . وأخيرًا ماأجمل ماوصفت به الشاعرة الإنجليزية (إليزابيث باريت براوننغ) متعة القراءة. .( الكتاب هو المعلم الذي يعلم بلاعصا ..ولا كلمات. .ولاغضب. .بلا خبز ولا ماء ….إن دنوت منه لاتجده نائمًا. .وإن قصدته لايختبىء منك)..وقول شاعرنا العظيم. .أبو الطيب المتنبي. . أعز مكان في الدنى سرج سابح. وخير جليس في الزمان كتاب. ..

عبدالعزيز التميمي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى