في كتاب الله العزيز توجيه واضح لإدارة أعمالنا الدنيوية، ومنها قوله تعالى: (قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ ۖ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ (26القصص)، نعم..القوي في الحق بالحكمة والجدال الواقعي، الذي ينتج عنه الإرتقاء بالجهة التي يدير أعمالها، بالإضافة للقوة الجسدية التي كانت مطلب للعيش في تلك الحقبة الزمنية، ثم الأمين وفي الأمانة فلاح لكل مشروع ناجح، إذ المؤتمن رجل كان أو إمرأة يدخل الطمأنينة في نفوس من حوله، فلا غدر ولا خيانة ولا تكتلات تنهك برامج العمل، وتربك الخطط الممنهجة نحو مجهول نتاجه الفشل والمطاحنات بين فريق العمل، قال تعالى: (إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ ۖ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا (72الأحزاب)، ولو تطرقنا إلى الفوارق المشاعة بين المدير والقائد، لوجدناهما بعيدين في المعنى والمضمون، في حين إن العامة من الناس قد لا يدرك ما بينهما من إختلافات، إذ من الممكن أن يكون القائد مديراً والعكس غير صحيح، (فالمدير) دائم الجمود في نظامه، يستسلم للوضع القائم، يعتمد على الأسلوب القديم للإدارة كرئيس ومرؤوسين حوله، قصير الأمد في خططه، شديد التركيز على الحاضر، يحرص على أن يلتزم الآخرون بالقوانين، كثير الإهتمام بالماضي وما كان عليه من تجارب، يميل إلى تقمص دور البطل في كل شئ، يحرص على رئاسته لبعض مرؤسيه، يميل إلى التحكم في من حوله من العناصر البشرية، إرتفاع سقف الأنا فيما يستخدم من العبارات والقرارات، يدعي المعرفة والخبرة في كل مجالات الحياة، يلجأ لإستخدام أسلوب (فرّق تسّد) بين موظفي دائرته، خوفاً من تكتلات تطيح به، قليل الإهتمام بالعلاقات الإجتماعية، وقد يتفق معنى المدير بما هو متداول من مسمى رئيس إذ يعتمد كلاهما على سلطاته والمعادلات المفروضة على الآخرين، في حين إن (القائد) يحرص على التغيير المؤدي للتطوير، نظرته مستقبلية مبنية على التخطيط المسبق لكل خطواته، يجتهد في أن يصنع من موظفي دائرته أبطالاً، شديد التواضع في إعتبار من حوله زملاء في المهنة والعمل، يستخدم أسلوب التحفيز وزرع الثقة في الآخرين، يهتم بالعلاقات العامة بين فريق العمل لرفع معنوياتهم، يحرص على أسلوب الإقناع، يعتمد على الحقائق البعيدة عن الفلسفة، يهتم بزرع القيم والمبادئ للمنافسة بين فريق العمل، يمدح فريق عمله بعبارات الثناء لدى القيادات العليا وفي المجتمعات العامة، يسند النجاح والتفوق في دائرته إلى الكل وليس لشخصه هو، يسعى إلى العدالة والإنصاف بين فريق العمل، لا يفرق بين موظفي دائرته في العلاقات الإنسانية، ولنا في قصة نبي الله سليمان عليه السلام مزيد عبر في القيادة، وقد مكنه الله أن يحكم الجن والإنس والطير، وفي غضبه على غياب الهدهد ذلك الطائر الصغير في جيشه العظيم وخروجه بغير إذن منه، والإستماع لسبب تغيبه بلا تسرع في إصدار الحكم عليه، بل والتريث في تصديق الخبر الذي نقله إليه الهدهد للتأكد من مصداقيته قبل أن يتجنى على الآخرين، وإعطائه عليه السلام الهدهد حق الحوار دون تخويف له، وفي كل ذلك ما يزرع الحب والإحترام بين القائد وفريق العمل، إذ في القصة أيضاً ما يشير إلى الحرص على مبدأ الشورى، صعوداً لقوله تعالى: (وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَىٰ بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ (38الشورى).
وخلاصة القول: إن من السهل جداً أن تكون مديراً أو رئيساً لتلك الدائرة، ولكن هل تستطيع أن تكون قائداً ناجحاً مع وجود كل تلك الفروقات بينهما، إيماناً بأن القيادة مسؤولية وإبداع وأمانة في التعامل مع الكل وليس الجزء، إذ لن تستطيع أن تكون قائداً ناجحاً دون فريق العمل حولك، وبلغة المدراء (المرؤوسين) في دائرتك، وهنا لا يفوتني الإشادة بمبادرة وزارة التعليم بإبدال مسمى مدير المدرسة إلى قائد المدرسة، على أمل أن يتم العمل بها على أرض الواقع، لا أن تكون قراراً إستعراضياً للمسمى بعيداً عن العمل بروح الفريق الواحد، لعلنا نرتقي بمخرجات التعليم العام لنضاهي بهم الأمم، وأختتم بعد الصلاة على النبي الهاشمي محمد وآله، بالإبتهال إلى الله سبحانه بأن يحفظ لنا قيادتنا السعودية وقد عمّ الحزم والسلام جميع أرجاء الوطن.. اللهم آمين
عبدالرزاق سعيد حسنين
جزاك الله خير اخي عبدالرزاق موضوع يتحدث للاسف عن واقع نعيشه ونعاني منه فعلا ليس كل مدير قائد وفي نظري ان كلمة القيادة لاتتطابق مع حال مدراء المدارس لما لمسته من البعض خلال رحلة عملي الطويلة في الاشراف التربوي واحتكاكي بهم ففي مقالكم الرائع وخلال سردكم لوصف المدير كانك تصف بعض مدراء مدارسنا … نسال الله السلامه