تُطرح ظاهرة ختان الفتيات بوصفها من أكثر الظواهر إثارة للجدل، لتُعاودَ نبش الصراع القديم الجديد فيما بين الدين والعلم. رجال الدين يرون في ذلك السلوك امتثالًا لأمر ديني يحثّ على ختان الإناث حتى وإن لم يكتشف الطب الحديث أثارًا إيجابيّة لهذا الصنيع، فيما يرى الحقوقيون المدنيون بأن الختان تشويه لأعضاء الأنثى التناسليّة واعتداء غير مبرر لانتهاك حرمة جسدها. الجدل القائم بين الجانبين يدعونا لطرح سؤال جوهريّ: هل الختانُ ظاهرة دينية أم ثقافية؟، وهل الأديان ورثت ذلك السلوك من مرحلة ما قبل الدين أم هي من إنتاجها؟، وقبل هذا وذلك، هل حقّا يبارك الدين فعل ختان الفتيات أم أنه من القضايا المصموت عنها؟.
في الدين الإسلامي لا يوجد دليل قطعيّ يأمر بختان الإناث، وهو ما دفع عدد ليس بالقليل من الفقهاء إلى القول بأن ختان الفتيات من الأعمال المشروعة وليست واجبة، والحديث النبويّ الذي تناول ظاهرة الختان هو الذي أورده أبو داوود والبيهقي في سننهما عن أم عطية الأنصارية أن امرأة كانت تختن بالمدينة، فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم: “لا تُنهِكيِ، فإن ذلك أحظى للمرأة، وأحب إلى البعل”.
وإن كان فعل الختان مشروعًا وليس واجبًا فإن ذلك يخرجه من كونه فعلًا دينيًّا محضًا إلى كونه ظاهرة ثقافيّة حاله كحال أكل الضب حيث لم ينهَ الرسول عن أكله لكن العرب توارثت ذلك السلوك إلى يومنا الحاضر، وهو جزء من المنظومة الثقافيّة الصحراويّة وليس بالإمكان اعتباره أمرًا دينيًّا لصمت النبيّ عن إنكاره. وأشارت دراسة حديثة إلى أن 96 بالمائة من المسلمين يختنون فتياتهم اعتقادًا بأن هذا التصرف أمر ديني يُثاب فاعله ويعاقب تاركه، وقدرت عدد الإناث المختنات في العالم بـ 200 مليون فتاة، كما لم تخفِ الدراسة أن عددًا من المجتمعات الغربيّة اتجهوا إلى ذلك الفعل بسبب تدفق المهاجرين المسلمين إلى البلدان الأجنبيّة ونشرهم لثقافة الختان، وكانت الولايات المتحدة الأمريكيّة قد أصدرت قانونًا يمنع ختان الإناث عام 1996م، وخصص مكتب التحقيقات الفيدرالي موقعًا خاصًا على الإنترنت للإبلاغ عمن يسهلون إجراء عمليّات الختان في الأراضي الأمريكية، وصنفته ضمن المخالفات الجنائيّة.
ياسر صالح البهيجان