عبدالحق هقي

روح النكتة

لُجة الأيقونات

منطق الطير: “السخرية هي ذرة الملح التي تجعل ما يقدم إلينا مستساغاً”- يوهان فولفغانغ فون غوته

****

          أبان المجتمع التفاعلي العربي على قدر كبير من السخرية في مواجهة واقعه الأليم، كمناعة وممانعة لحالة الإحباط التي تنفثها مرارة الواقع ووجع الوقائع، فتداعت روع الدعابة والظرافة في فضاءات الوسائط التواصلية المختلفة، وبدا أن هناك قدر من البديهة والعفوية في تداول النكتة وتحويرها وإبداعها، واستثمار ذكي للتناقضات والخيبات، حفرًا في الوعي وتحفيزًا لروح النقد، فتعددت الأشكال والصور، وتنوعت وسائل التعبير بين المكتوب والمرسوم، المسموع والمرئي، التافه والجاد.

          لا شك أن انتقال السخرية من فعل واعي أو على الأقل من ممارسة مدروسة وموجهة، يمتهنها بعض الكتاب والأدباء  إلى فعل لا واعي وممارسة عفوية ارتجالية ينتجه ويتداوله عموم الناس عودة إلى الأصل، ومحاولة لتجاوز حلول الأدب كناطق عن الأغلبية الصامتة، بما يحمله ذلك الارتداد من نماذج فاعلة وممارسات صحية، فهي لا شك أسهمت في “دمقرطة” المرح والنقد، وأسهمت في فعل المشاركة وتحمل المسؤولية، علاوة على خلق الدافعية للاهتمام بالشأن العام والحافزية نحو حل المشكلات وإحداث التغيير.

          غير أن تلك النظرة الإيجابية لا تحجب كثيرًا من الممارسات الخاطئة والسلوكيات السلبية، فبسبب قلة الوعي وتهميش تفعيل التربية والمعرفة كمؤطر لذلك الحماس الفطري الداعم للأمل، تحولت السخرية من مرآة صادقة تنتصر للجمال على حساب القبح، وللصدق في مواجهة التضليل، إلى سلوك مبتذل وممارسة لاذعة، تتنكر للقيم النبيلة والأخلاق الحميدة، حتى غدت بعض السخرية أمرًا مشينًا، لا يتوقف ضررها من حيث الأثر والزمن على ضمير وأخلاق المرء وإنما على إنسانيته.

          إن على الأديب الساخر –على وجه الخصوص- في هذه المرحلة أن لا ينسحب من الساحة وهو يبصر انحسار فاعليته في الإضحاك والتأثير، أو التورط في السماجة والسذاجة من خلال محاكاة الواقع الهستيري، وإنما عليه تطوير لغته وأدواته بما يواكب هذه الوسائط الجديدة المختلفة من حيث الشكل أو المضمون، والاحتكاك أكثر بشريحة المتفاعلين لفهم ميولهم ورغباتهم، بغية التحفيز على افتكاك السخرية من العبثية والمجون، وإحياء دورها التنويري وبث روح النكتة.

خبر الهدهد: امتهان الأطفال!!

عبد الحق هقي

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

  1. إن التحول الكبير في التعاطي مع الفكاهة كمادة ادبية ،ليس مجرد آلية بسيطة ،إنه في نظرنا عبارة عن كسر القوقعة ،والخروج للواقع الجديد ،في اشكال جديدة ،لم تأفها المجتمعات العربية خاصة ،والمجتمعات في كل اركان الارض عامة .
    ولذلك فهذا الخروج لم يكن مدروسا ولم يكن منتظرا ايضا ،فهو قد جاء بعفوية وبسرعة كبيرة جدا ، ولا يزيد عمره عن بضع سنين فقط !! لذلك ،فإن هذه الاشكال والمستويات من الفعل الفكاهي الذي نعيشه اليوم ليس هو آخر ما سيتوقف عنده قطار الإنفتاح والإبداع ،خاصة وان الناس لم يعودوا يقيمون لكثير من الطقوس، والعادات ،والاخلاق ، حرمات ولا إكبارا ، ومن هنا بدأت معضلة التهاوي ،نحو اساليب ركيكة وفجة وساقطة ،أحيانا.
    والمتلوب هو الا يقف من في مقدورهم ان يحتفظوا بالكفاهة في اعلى مستواها ،حيث هم ،بدلا من الإنسحاب او الانحدار نحو الغفلية ،وعقلية العوام .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى