شاهدت اليوم دبرانا أضاع عشه، ولأول مرة أعرف معنى قولهم: “أغواك الذي أغوى الدبران عن عشه”، والدبران في بعض جهات غامد وزهران هو الدبّور عند غيرنا (مفردة من دبابير) أو الزنبور (مفردة من زنابير) وفي جهات أخرى من غامد وزهران يقولون: الدِّبر، بكسر الدال المشددة ويجمعونها على الدّبْر بفتحها.
وفي السيرة هناك حَمِىِّ الدَّبْر وهو عاصم بن ثابتٍ الأَنصاريّ رضي الله عنه، وهناك مجلة لبنانية عريقة يقال لها الدّبور، كنتُ من قرائها وقد ابتلعتها الحرب كما ابتلعت لبنان بكامله، وهي مجلة سياسية ساخرة تتخذ الرسوم مكان الصور، والدَّبُور رياح تهب من جهة الغرب قيل سميت لأنه تهب دبر الشمس أي عقب غروبها.
“للدبران” لسعة حارقة، كانوا يقولون: أربعة تقتل الرجل، في صغري مرّ بي ابن عم فنصحني: اياك ثم اياك ان تتسلق هذا الحائط، ولو فعلت فالحذر من ذلك الجحر، فإن بلغته فلا تهدم العش الذي فيه. قلت: سمعا وطاعة، فلما غادر ارتكبت كل ما حذر منه، وصلت الجحر فرأيت فيه كرة جميلة جدا من الفلين، و” الدبارين ” الخبيثة عاكفة عليها، كانوا حمرا مثل جمر يستعر، والواحد منهم في هيئته يبدو كقاطع طريق يتمنطق جنبية في وسطه.
دحست العش بسبابتي فهاجت” الدبارين” ففزعت فقذفت نفسي من علٍ، وعلى الأرض نظرت فإذا هي بعيدة عني فوق، ابتعدت وعندما بلغت مأمنا شعرت بأن أحدا قد دق مسمارا خلف راسي، مددت يدي فانتزعت “دبرانا” قد أنشب إبرته في بقعة خلف الرأس نسميها “مسيد القمل”، بقيت بعدها أياما لا أقدر على رفع راسي أو على الالتفات يمينا ويسارا.
والدِّبران أيضا نجم عملاق في كوكبة الثور، نسميه في جهاتنا التابع لأنه يتبع عنقود الثريا، ويسمونه التويبع أيضا، وهو الذي أعطى نسران المروة، تقول الأسطورة: أن نسران (حامي شدا) كان يحلق مهموما بالقرب من التابع (نجم الدبران) فسأله التابع عن همّه فقال له: كلما كبر ولد من أولادي وحلق بعيدا اختلطت عليه ملامح الأرض من تحته فضل طريق شدا.
قال له الدبران (التابع أو التويبع) سأساعدك شريطة أن تجلب لي عجلا من أبقار وادي ” سمعة المال” أقدمه مهرا للثريا التي أحبها فهذا شرط أبيها، وأنا سأعطيك مروة بيضاء من جوفي، تضعها على شدا فتكون دليلا لأبنائك فلا يضل منهم أحد عن شدا.
ذهب نسران وعاد بالعجل ووجد المروة البيضاء في انتظاره لكنها لم تبرد تماما، تناول المروة البيضاء وكرّ راجعا، كان يقلب المروة بين يديه لحرارتها، اقترب من شدا لكن صبره قد نفذ فسقطت من يده، استمرت تهوي حتى استقرت في مكان قريب من شدا، بقي ذلك المكان دليلا وعينا للنسر الصغير حويرث، حويرث بن نسران، وسمي المكان بذي عين.
محمد ربيع الغامدي
ذي عين تقصد القرية التراثية التي في المخوة ما غيرها؟