أحمد حلبي

مسجد كأنني أكلت بتركيا

 قصص وأحداث تُروى، البعض منها يبقى عالقًا بالأذهان تتناقله الأجيال، والبعض الآخر سرعان ما يندثر بين ذكريات الماضي، لكن الأجمل في تلك القصص هي التي ترتبط بعمل يبقى خالدًا . وفي تركيا وتحديدًا في مدينة إسطنبول وبمنطقة الفاتح يقف مسجدًا صغيرًا بمساحته شامخًا ببنائه، يعود تاريخ إنشائه إلى العهد العثماني وتحديدًا في القرن الثامن عشر لا يتجاوز عدد مصليه المائتي مصل، حاملًا قصة من أروع قصص الصبر والقدرة على التحكم بالنفس كما يُقال، إنها قصة خير الدين كججي أفندي . وقصة خير الدين أفندي أنه كان عندما يمشي في السوق، وتتوق نفسه لشراء فاكهة، أو لحم، أو حلوى، يقول في نفسه :”صانكي يدم”، “كأنني أكلت” ثم يضع ثمن ذلك الطعام في صندوق له . وبعد مرور عدة سنوات وجد أنه يوفر معظم دخله ويكتفي بما يكفيه، والنقود تزداد في صندوقه، فوجد أن أفضل حل وطريقة تروي جوعه وتشبع شهيته بناء مسجد صغير في محل إقامته، واستطاع أن يبني الجامع وأدرك أهل المحلة أن أفضل اسم لهذا المسجد هو “جامع صانطي يدم” أي “كأنني أكلت”، ويقول “عبد الصمد آيدن” -نائب مفتي منطقة الفاتح في إسطنبول-: “إن الحكمة من مسجد “كأني أكلت” هو الحث على التوفير الممكن وعدم التبذير والاقتراض والاقتصاد قدر المستطاع بكل المواد، خاصة أننا نعيش في مجتمعات استهلاكية كبيرة، وهذا المسجد يُمثل درسًا ممتازًا لكل إنسان، الرجل في إدارة أعماله والمرأة في منزلها وحتى الشباب والأطفال”. وحول تاريخ بناء المسجد يقول آيدن: “المسجد بني بواسطة “كتشيجي خير الدين” أو “محمد شوقي أفندي” ولم يبت التاريخ في الاسم، هذا الرجل عانى الفقر وامتلك تلك القدرة الجبارة على لجم النفس البشرية، فحرمها كل مشتهياتها بمساندة “كأني أكلت”.. والمتوفر من أموال هذه الحياة المتقشفة رفع به على مر سنوات جدران هذا المسجد”(4). وقد تعرض الجامع لأضرار كبيرة خلال الحرب العالمية الأولى، وبعد الحرب بعشرين عامًا، تدمر الجامع تقريبا بفعل حريق نشب فيه، وفي عام 1959م، تم إصلاح المسجد بعد تبرعات من السكان.

 أحمد صالح حلبي

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

  1. إحتراماتي للكاتب الوقور الأستاذ أحمد.. مقالة جميلة بروعة كاتبها وما تحويه من قصة وعبرة .. دائما تشوقنا لتركيا وأجوائها وما لذ وطاب من الفاكهة.. ومنطقة فاتح في اسطنبول تعد تأريخ للدولة العثمانية والمسلمين ويألفها السياح السعوديون وفيها الحجاب منتشر بطيبة أهلها.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى