مع إطلالة شهر رمضان في كل عام؛ يزداد الحنين إلى القارئ الفذ، ذو الصوت الشجي، والصدح الندي؛ إمام الحرم المكي الشريف الشيخ الجليل الفقيه المقرئ علي بن عبدالله جابر- يرحمه الله-. فقد كان قارئا متقنا، وحافظا متمكنا، ومزمارا مدهشا، آتاه الله تعالى؛ الصوت الجميل، الذي يتوهج قوة، وعذوبة، وبهاء، بحفظ دقيق، وأداء فريد. يظل هذا القارئ الفذ؛ فريدا في صوته، وراسخا في حفظه، ومميزا في أدائه، متقنا لفنون التجويد، والفصاحة، والبيان؛ يشدو بآيات القرآن الكريم؛ بين أروقة البيت الحرام، غضا طريا، ينساب بين شفتيه، ليهز به القلوب، ويُدمع الأعين، ويصغي الآذان، وتقشعر منه الأبدان، ويعتبر ذو البصائر، والأفكار. برع إمام الحرم المكي الشريف الراحل علي جابر – طيب الله ثراه- في قراءة القرآن الكريم؛ حتى فاق كثير من القرّاء، وأدهش بجمال صوته، وقوة حفظه، وحسن بيانه، وروعة أداءه، المصلين، والمستمعين، وأسر القلوب؛ منذ الوهلة الأولى، وهو يقف أمام الكعبة الشريفة، يؤم الناس، ويتلوا على مسامعهم آيات الذكر الحكيم. رحم الله الشيخ المقرئ علي بن عبدالله جابر، الذي جمع بين حفظ القرآن الكريم، وإتقانه، وبين علم الفقه، وقد كان أثر الشيخ المقرئ المدني خليل الرحمن- حفظه الله- عليه واضحا، وبصمته فيه راسخة، حيث نهل منه فنون التجويد، والقراءة، وتمرس على مسارب جودة الأداء، مع رفيق دربه الشيخ القارئ محمد أيوب- يرحمه الله- الذي توفي في شهر رجب من هذا العام، وقد حباه الله صوتا حسنا، وأم المصلين في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، سنين عدة، وصدح بصوته، باﻷداء الحجازي المشع عذوبة، ورقة. التقيت بالشيخ علي جابر- يرحمه الله- في الحرم المكي الشريف، مرات عدة، بعد صلاته بالناس في التراويح، والبعض الآخر قبل صلاة التهجد، وهو في طريقه من باب الملك عبدالعزيز إلى المكان المخصص لإمامة المصلين في الحرم. كان لافتا تلك البسمة الجميلة التي تبدو على وجهه المشرق، وهو يصافح كل من يسلم عليه، طرحت عليه بعض الأسئلة، فكان يجيب بعلم، وتواضع جم، ولازلت أتذكر هذه اللقاءات التي كانت لحظات زاهية باللطف. لقد كان الشيخ علي بن عبدالله جابر – يرحمه الله- مدهشا في قراءته، وأسلوبه، يحبر القرآن الكريم، تحبيرا، بمزمار فريد، في رحاب الكعبة المعظمة، وشكّل منعطفا هاما في مسيرة الناشئة في رحاب القرآن الكريم، في عصره، حتى غدى الاهتمام، والعناية؛ بالحفظ، والتجويد، وفنون الأداء، في دائرة الحرص، ومطلبا لكل حافظ، وتالٍ. رفع الله درجته، وأجزل مثوبته، وكساه من حلل الجنة، وبوأه منزلا رفيعا؛ يصدح فيه؛ بكلام الله تعالى، قارئا، مرتقيا؛ ليزداد رفعة، وعلوا.
عبدالرحمن محمد الغامدي