لا شك عندي أن الاستماع لعدنان إبراهيم أمرٌ يبعث على الاستمتاع و الحصول على لذة المعرفة بسبب من طريقته التي تتوسّل بالفكر الفلسفي من جهة و بالتنوّع المعرفي الواسع من جهة ثانية ، و هو في هذه يشترك مع غيره من المتحدثين المهرة في عرض الأفكار و التوسّع بها عبر مخزون معلوماتي ثريّ و تحليل فلسفي مقبول إلى حدّ ما ، و بقدر ما في هذا من تشويق بقدر ما فيه أيضا من تسويق لأفكاره التي لا ترقى إلى مستوى القبول لولا أنّه يمررها بالطريقة المعرفية الجديدة ، أعني بها العرض الفلسفي لأصل المسألة و تبريرها عبر تجريدها من حمولاتها التي علقت بها من خلال الأفهام و التأويلات ، و هذا جيّد ، بيد أنّ ما ليس بجيّد في هذا الباب هو الخلط بين الخلفيات الثقافية و استصحاب الرأي المراد إثباته و ليّ أعناق النصوص لتستقيم له ، و هذا أمرٌ أقل ما يقال عنه أنه غير علمي و فيه تدليس أو هوى مُتّبع يملي صاحبه ما يريد الوصول إليه ، و هي الطريقة التي يتبعها عدنان إبراهيم في عرض ، بل فرض أفكاره على المتلقّي الذي تستهويه هذه الطريقة الفكرية في عرض الأفكار فيقع تحت تأثيرها ظانًا أنّ المسألة باتت محسومة ، و هي في الحقيقة حين تجرّد من هذا التطواف على المعارف أبسط من كل هذا التقعيد و التعقيد ، ففي مسألة التماثيل ، مثلا ، لسنا بحاجة إلى الحديث على بعد مسافة أحقاب لتحريرها منذ عهد آدم عليه السلام أو استنادا إلى تماثيل سليمان عليه السلام ، لأن شريعة محمد صلى الله عليه و سلّم ناسخة لما قبلها ، و حتى على افتراض الالتقاء في الكليات فقد جعل الله لكلّ من الأمم شرعة و منهاجا ، و تبرير التماثيل بلا قيود فيه مغالطة و تدليس ، فعلى افتراض التسليم بأنها لا تفضي إلى الشرك ، برغم عدم اليقين في ذلك ، فالتماثيل ذوات الأرواح فيها مضاهاة لخلق الله و هي أمر مجمع عليه من قبل فقهاء الإسلام ، هذا فضلا عن أن أكثر هذه التماثيل إنما يوضع في مقام تشريف لا يبعد أن يفضي ذلك إلى اتخاذه وسيلة لعبادة ، و من أجل هذا كانت التماثيل أبعد أشكال الفن عن التسامح و التأويل ، و مع ذلك يحاول عدنان إبراهيم تبريرها فلسفيا ليجعل الفلسفة طريقا إلى الشريعة !.
و في ظني أن فشو ظاهرة عدنان إبراهيم في أوساط الشباب و المثقفين ، خصوصا من يتواصلون مع حقول المعرفة الجديدة ، راجعٌ إلى أمرين : الأول الطريقة التي انتهجها في عرض أفكاره و هي طريقة التفكير الفلسفي عبر مصطلحات و مفاهيم جديدة على الساحة الشرعية و في الوقت نفسه بينها وبين هؤلاء المتلقين حميمية بسبب أنها من فضائهم القرائي و من معارف إنسانية مشتركة يلتقون بها في كل فكر ،شرقا و غربا . الأمر الثاني القطيعة بينهم و بين المشايخ الكبار و الدعاة الذين اقتصر طرحهم على العامة من جهة ، و من جهة ثانية ليس بينهم و بين هؤلاء ألفة بسبب الرتابة و النمطية في الطرح . هذا فضلا عن دغدغة عدنان إبراهيم لأحلامهم بتقليص المحظورات في الدين و تيسير الأمر إلى درجة قد يتحوّل فيه الدين الإسلامي إلى أيقونات و رموز و أوبرا و عالم من الطقوس التي لا تفرّق بين المسجد و الكنيسة .
بالإضافة إلى ما سبق ينقص عدنان إبراهيم الترحاب بالاختلاف رغم أنه يقدّم نفسه نموذجا للمفكر واسع الأفق ، و هو ، في الحقيقة ، لا يثبت في ميدان الاختلاف و يسيطر عليه مزاجه الحاد و المتفلّت الذي يريد حسم الأمور كلها لصالح رأيه مدعوما بكم هائل من الألفاظ الإقصائية التي توحي للمتلقي أن كل من يخالفه الرأي و الفكر سطحي غير عميق و جامد غير مرن ، و قبل هذا محاكمته لرجال التاريخ الإسلامي بدءا من معاوية رضي الله عنه بثقة مطلقة لا تستند إلا على روايات واهية أو رأي قاصر يتجاهل قاعدة أساسية في التعامل مع الرجال في الجرح و التعديل هي أن الصحابة رضوان الله عليهم كلهم عدول و أن احترامهم من احترام النبي صلى الله عليه و سلم ، و مع ذلك فعدنان إبراهيم ينتخب نفسه قاضيا و حكما على تاريخ هؤلاء الرجال بما لا يستطيعه مع الحكام في العصر الحديث ، هذا مع الفارق الكبير بين أولئك و هؤلاء في موقعهم من العزة و التمكين و خدمة الإسلام و مدّ نفوذه على امتداد خارطة العالم .
هذا فضلا عن أنه يشتم من جهة و يزعم لنفسه الكرامات من جهة أخرى و كأنه يزن رجال الأمة بكفته التي يظهر فيها المؤيّد الخارق للعادات و هي وحدها كافية لجعل ما يقوله محل نظر و محاسبة شديدة ، خصوصا عند ذوي الاتجاه العقلاني الذين أزعجونا بالصنمية و التقديس في الوقت الذي يغضون فيه الطرف عن كل ما أحدثه هذا المفكر المفصّل على مقاس رغباتهم . و أخيرا يمكن القول إنه في وسع د. عدنان إبراهيم بثقافته الموسوعية أن يثري المعرفة برؤى في الجانب العلمي و السلوكي بعيدا عن القضايا المذهبية الكبرى التي هو فيها حاطب ليل أكثر من كونه صاحب فكر منظّم يمكن التعويل عليه ،و ذلك طبعا مشروط بالموضوعية و عدم أدلجة القضايا حسب رغبات ما يطلبه الإعلام الموجَّه ، فإذا ما رضي لنفسه أن يكون حسب الطلب فإنه لن يتجاوز كونه ظاهرة سيعبرها الزمن كغيرها من الظواهر الإعلامية الخطابية التي تزول مع زوال أسبابها !
سعود الصاعدي
أحسنت دكتور سعود وعدنان إبراهيم من زنادقة العصر
لم يسلم منه سيدنا عمر رضي الله عنه ، ولا أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها .
جزاك الله خير احسنت مقال جميل وهو يكشف فكر العقلاني عدنان ابراهيم الذي استمعت له لمقاطع تخالف مايظهره في حلقاته في برنامج صحوة اسأل الله أن يرينا الحق حقاويرزقنا اتباعه ويرينا الباطل باطلا ويرزقنا اجتنابه ويرد الى الحق ضال المسلنين
ظاهرةمن ضمن الظواهر التي ابتلينا فيها في هذا العصر المحير..ولكن سيذهب فكره ومنهجه مع أقرب وقت.. ومع أقرب (زبد) مثله.. أشكر الكاتب القدير على هذا المقال المنصف.
مقال جميل ، ورأيي أن عدنان إبراهيم ، يريد صناعة مذهب إسلامي جديد ، ارتكازه على العقل والتقليل من النقل (القرآن والسنة) لأنه يستخدم أسلوب المنطقي في طرحه ، ناهيك عن قوة نطقه للكلمة مما يجعل السامع يتأثر بقوله فيكون تابع ، أسأل الله أن يهديه للصراط المستقيم.