المقالات

همسات الخميس

     في عام 1388هـ حل الرئيس اللبناني شارل حلو ضيفا على المملكة العربية السعودية، كانت زيارته تلك، في وقتها ذاك، ثمرة من ثمار النهج الفيصلي الحكيم، في مرحلة من المراحل الخطيرة التي كانت تمر بها المنطقة العربية والتي كان من أبرز سماتها ذاك المدّ الراديكالي الأهوج الذي بعثر مقادير الأمة لعقود من مسيرتها التاريخية ثم أوقفها مهزومة عند محطة النكسة.

        كان من مظاهر الابتهاج بزيارته تلك أن أقام الناس احتفالاتهم في شتى أرجاء مدينة جدة، سكان أحياء المدينة، وأبناء القبائل المقيمين في جدة، وأبناء الجاليات المختلفة الذين تعمر بهم مدينة جدة مثل سائر المدن السعودية، وكانت غامد وزهران من بين تلك القبائل المحتفلة، حيث أقاموها عرضة صرصرية بقيت حديث الناس لأسابيع لحقت.

        قال لي صديق من غير قبيلة غامد وزهران: حضرنا تلك العرضة بالصدفة، كانت ايقاعات الزير تداعب أوتار الطرب في نفوسنا، وكانت سيوف اللاعبين وبنادقهم وعصيّهم توقظ الفارس النائم في أعطاف الواحد منا، ثم شدت انتباهنا كلمات شاعر تلك العرضة الذي قال: “يا مرحبا وهْلين يا شارل الحلو، حسْبة نجوم الصيف وعْداد وبلها”.

        قال صديقي الذي لم يكن من زهران ولا من غامد: دخلنا العرضة، وبعد دورتين أو ثلاث، والسرور يرتسم على وجوهنا، وإذ بجدي رحمه الله يقف على طرف المكان وهو يشير لنا بالخروج، خرجنا حتى توقفنا أمامه فبادر بالسؤال: غُمّد أنتم والا زهارين؟ دخلتم في عرضة لا تجيدونها وتركتم حفلنا هناك؟

         قال صديقي: خجلنا من أنفسنا ساعتها، وأشعرنا جدي بالذنب، يا الله! كيف شوهنا عرضة هؤلاء القوم؟ لقد كنا ضيوفا ثقلاء عليهم، ثم تذكرنا أن أحدا منهم لم يتضايق منا على الاطلاق، بل كانوا سعداء بوجودنا معهم، ومع ذلك  قلنا: لعلهم جاملونا وصبروا علينا. بقيت أمامنا غضبة جدي، فقلت له: سامحنا يا جدي، لقد سمعناهم يقولون شارل وما شارل فظنناها عرضة الحكومة.

محمد ربيع الغامدي

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

  1. كلها تعبر عن أخلاق الناس وطيب نفوسهم المشاركة القبول التعايش الجميل ..العرضة أو الاعتكاف في المسجد ..الله بحفظك.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى