المقالات

الرؤية الوطنية (٢٠٣٠) وموازين الاعتدال في مواجهة الهجمة ضد الإسلام

 تأتي الرؤية الوطنية (٢٠٣٠) في زمن يُعاني فيه الإسلام من هجمة شرسة تصفه بما ليس فيه، وتحاول جاهدةً أن ترمي المسلمين بما يعارض شريعتهم الوسطية، وتعاليم دينهم السمح، وفي وقت تحتاج فيه موازين الاعتدال لمزيدٍ من الاعتناء والمراجعة، ومن تلك الموازين الرئيسة :

١- موازين الإعتدال الإنساني .

٢- موازين الاعتدال المجتمعي .

٣- موازين الاعتدال الفردي .

هذه الموازين الثلاثة تمثل مرتكازات البناء والتجديد والتطوير في أي زمان ومكان؛ لأنها موازين ضابطة لحركة المسلمين فيما بينهم، وضابطة لحركتهم مع الآخر، ويُبنى بعضها على بعض، من حيث إن المجتمع مجموعة من الأفراد، والعالم اليوم مجموعة من المجتمعات الإنسانية، المتأثرة ببعضها البعض، وعلى هذه الموازين ينشأ البناء والتجديد والتطوير الوطني – بإذن الله-، علاوة على مساهمتها في مواجهة الهجمات المنكرة ضد الإسلام والمسلمين، حيث أن تعاقب الزمن وتجدد المستجدات من شأنه إيجاد الحاجة للتجديد والتحديث العام والخاص ولجميع الموازين المحورية، ولا سيما أن المعطيات الزمنية والنطاقات الجغرافية، قد اختلفت عما كانت عليه من قبل، لدرجة رجحان إحدى كفتي الميزان الواحد على الأخرى، وهذا الرجحان جاء لعددٍ من الاعتبارات؛ منها: #غلبة كفة التطبيق على كفة التنظير : حيث حازت العقود الماضية على شرف البناء والتجديد الفقهي والقيمي الذي مازلنا ننهل من معينه وبركته حتى يومنا هذا، غير أن واقعنا اليوم قد توسع في النطاق، وتقاربت الآفاق، وتعددت الأطياف والأنساق، الأمر الذي قد أوجد بونًا شاسعًا بين مساحة التطبيق الحاضر، ونطاق التنظير والتجديد السالف، مما أوجب نظرًا تجديديًا يواكب الوقائع المستجدة، لأن المستجدات الحالية لاتقبل التدارس الشرعي إلا وفق نطاقها الزمني والجغرافي، وفي ظل ملابساتها الفقهية، وهذا ما نقرأه من تجاذبات المسلمين مع المستجدات الحضارية المعاصرة وصانعيها في جوٍ من التحيز والجمود. #غلبة كفة التدافع على كفة التعايش : حيث اتسمت العقود الماضية بشرف عقيدة الولاء والبراء وشرف شعيرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، في عهد من مظاهره الاستعمار العسكري المعلن للبلدان الإسلامية، مما أوجب على الحكام والعلماء الوقوف صفًا واحدًا لمواجهة الأطماع الاستعمارية، وفق عقيدة الولاء والبراء، علاوة على محاربة البدع والخرافات وحركات الشيوعية والماركسية وغيرها مما كان يفت في عضد الأمة الإسلامية، الأمر الذي جعل التدافع سمة القرن الماضي ومن أوجب الواجبات، مما غلّب كفة التدافع على كفة التعايش السلمي الذي كان ظاهرًا بين المسلمين وبقية الديانات الأخرى، فضلاً عن الطوائف الإسلامية فيما بينها، وبهذا تمدد التدافع مستوليًا على مساحات شاسعة من مساحات التعايش، فطُمست مفاهيم كثيرة تتعلق بالمشترك الإنساني ومظاهر التراحم والمهادنة والمعاهدة للآخر، وهذا مايفسر لنا الشلل الإنساني بين المسلمين وغير المسلمين، فضلا عن محو معالم التعايش وتقبل الآخر، علاوة على مظاهر ضيق العطن لدى كثير من طلاب العلم والعلماء في تدارس الخلاف ومسائله، والتعامل مع المنكرات الشرعية والمتصفين بها، فضلاً عن معالجات المنكر ذاته.  #العجز عن صناعة القوانين الحضارية والأنظمة المدنية، الميسرة للانسجام الحضاري، والتعامل الدولي: من فضيلة القرون السابقة للإسلام، أنها فُضلت بحماية الشريعة الإسلامية وتدوينها وتأصيلها وتفريع مسائلها ومذاهبها الفقهية، وجاءت حاكمة على الحياة الفردية والجماعية بكل تفاصيلها المختلفة، غير أن العالم اليوم تقارب في مجاورته لبعضه البعض، بل وتداخل في تعاملاته وتشاركه في كل المجلات، ليس على مستوى الحكومات فقط بل وحتى المؤسسات والأفراد، مما أوجد فراغًا حاكمًا للعلاقة بين طرفين، طرفٌ يرفع راية الشريعة، وطرفٌ يرفع راية القانون الدولي الحديث، وعند التحقيق نجد أن شريعتنا الإسلامية هي معين القانون الذي لا يظلم، ومداد الأنظمة التي لا تحيد، ولو أننا استنبطنا من شريعة الكتاب والسنة قانونًا شموليًا يضبط لنا العلائق المتعددة، ويزيل عن طريقنا العوائق المختلفة، ويسد الفراغ القانوني، لما ترددنا في أي تواصلٍ حضاري، ولا تأخرنا عن أي مصلحة دولية، رافعين الحرج عن أنفسنا وعن المسلمين، فضلاً عن الصبغة القانونية ذات الاستقلالية التي سنتميز بها عن الآخرين . وبهذه الاعتبارات يجب أن نعيد التوازن لموازين الاعتدال، وعلى هذه الموازين نبني نجاح الرؤية الوطنية الطموحة (٢٠٣٠) بتحقيق التعادل الحكيم بين موازين الاعتدال الإنساني والمجتمعي والفردي، والذي سيحقق بدوره -بإذن الله- نجاحًا وطنيًا تاريخيًا، ويساهم مساهمة إسلامية قوية في مواجهة كل مرامي التشويه ضد الإسلام.

خالد بن سفير القرشي .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى