عرضة الحكومة التي تحدثنا عنها في خميس مضى، أعادت لي ذكرى عرضة البخارية التي شاهدتها في عام 1383 في مدينة الطائف، وكانت الطائف في تلك الحقبة تزخر بمن فيها من الناس، في الأعياد والمناسبات، من شتى الأصول والمنابت، لهم في كل عيد زِينات يقيمونها، يجمعهم الأمن تحت بيارق الأمن والسلام في بلد السلام.
قبل الحديث عن عرضة البخارية يجدر بنا الإشارة إلى أن البخارية تعود أصولهم إلى البلدان الإسلامية التي أخضعها البلاشفة الروس لحكم الاتحاد السوفياتي منذ قيام ثورتهم في عام 1335 هجرية، وحيث جعل البلاشفة من ثورتهم حربا على الأديان فقد هربت تلك الشعوب المسلمة واستقر بعضهم في تركيا وفي بلاد الشام ودول وسط أسيا.
المجموعة الأكبر من أولئك الهاربين بدينهم استقر بهم المقام في المملكة العربية السعودية، في مكة المكرمة والمدينة المنورة والطائف، وهناك عرفناهم من أكثر الناس أدبا ودأبا، انصهروا في المجتمع السعودي فكانوا جزءا حيويا من مكوناته، عشنا معهم وجاورناهم وصاهرناهم فألفيناهم من خيار الناس، ورأينا في معاملاتهم أخلاق الإسلام الأصيلة التي تغربوا تمسكا بها.
في العيد كنا نتجول على تلك الزينات، أنا ورفاق العمر، عبد الله وحامد، برفقة آبائنا، زرنا زينات غامد وزهران وعسير، وجازان ورجال الحجر، وزينات حي السليمانية وحي الشرقية وحي البخارية، وزرنا أيضا حفلات الجاليات العربية كأبناء اليمن وفلسطين وسواهم، وفي كل زينة كنت أرصد طرائقهم في التعبير عن بهجة العيد وكنت أظن كل طريقة عرضة.
في زينة البخارية كانت هناك مقاعد متراصة داخل الصيوان، وهناك قطع من السجاد تنسدل في خلفية الصيوان، عليها تصاوير أزهار وأنعام وشلالات جميلة، وكانوا جلوسا على المقاعد لا يتركونها الا إذا جاءهم ضيف منهم، هرعوا إليه وأخذوه بالحضن، وربما ربّت بعضهم على ظهر أخيه، وربما تحرك الأثنان حركة عفوية، وقد ظننت لتربيتي القروية أن تلك هي عرضتهم، وكنت إذا رجعت لقريتي أروي لأصدقائي هناك ما رأيته من زينات ومن عرضات، وكنت أتوقف طويلا عند عرضة البخارية فأصفها وصفا دقيقا كما رأيتها وهم في عجب مما أقول.
أسلوبك في السرد رائع وممتع ابا احمد صح لسانك
سبحان الله على قد ماتشوف من الناس ثقافاتهم طرائقهم عاداتهم على قد مايتسع أفق الشخص ويتطور تفكيره … الله يحفظك.