عبدالله سعيد الزهراني

الحمارُ هو من يعبد غير الله يا فاطمة

 كنت مترددًا في الرد على مقال الدكتورة/ فاطمة الخريجي حول عمرة في رمضان تعدل حجة (معي)، ولكن نشرها للمقال الذي يتناول مواضيع وأماكن مقدسة ومعظمّة عند أكثر من مليار مسلم وأسلوبها (السوقي) مع الأسف في الحديث عن أقدس بقاع الله تعالى، وعن معتمرين ومحبين لله تعالى وسنة نبيه محمد -صلى الله عليه وسلم-، وعن الطائفين والعاكفين والركع السجود والذين مدحهم الله تعالى، ولكثرة من اتصلوا بي يُطالبونني بالرد بحكم قربي من المسجد الحرام حرسه الله، وجعله مثابة للناس وآمنًا، والكعبة المشرفة زادها الله شرفًا وجمالًا، كباحث في تاريخ وآداب المسجد الحرام، دفعتني للرد … وسأختصر ردي في نقاط محددة عسى أن تفهم الدكتورة/ كاتبة المقال أولًا:

البيت الذي تتحدث عنه الكاتبة بفظاظة، ودون احترام يليق بمكانته هو أعظم وأقدس بقعة على وجه الأرض، وقد جعله الله تعالى مثابة للناس وآمنا (وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ وآمنا)البقرة١٢٥ ومثابة، تعني أن الناس يثوبون إليه ولا يشبعون من زيارته وبه كعبة الله المشرفة، التي جعلها الله قيامًا للناس، فقد قال تعالى:(جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ قِيَامًا لِلنَّاسِ …) المائدة٩٧ ومعنى {قِيَامًا لِّلنَّاسِ} أي: صلاحًا لهم في دينهم ودنياهم وآخرتهم. وقد نُقل هذا المعنى عن غير واحد من مُفَسِّري السلف والخلف: فقال ابن عباس رضي الله عنهما: {جَعَلَ اللّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ قِيَامًا لِّلنَّاسِ} قال: (قيام دينهم، والذي نفسي بيده لو تركوه عاما واحدا ما نوظروا) لذلك فهو مُعظم عند المؤمنين، وبه قطعة من الجنة (الحجر الأسود) وهو قطعة من موطننا الأصلي ( الجنة) التي أسأله -عز وجل- أن يُعيدنا جميعا فيها، قال صلى الله عليه وسلم: {نزل الحجر الأسود من الجنة أبيض من الثلج فسودته خطايا بني آدم وبه ياقوتة من الجنة) (مقام إبراهيم)، فقد روي عنه صلى الله عليه وسلم أن قال ( الركن والمقام ياقوتتان من يواقيت الجنة، ولولا أن الله طمس نورهما لأضاءتا ما بين المشرق والمغرب)صحيح لغيره صحيح الترغيب 1147 وبه أشرف وأطهر ماء على وجه الأرض (ماء زمزم) وهو طعام طُعم وشفاء سُقم، وبعد..هذه هي بعض أسرار تعلق الناس بهذا البيت رغم ماقد يجده البعض من الصعوبات للوصول إليه، فكيف نلوم من يلوذ ببيت مولاه الحي القيوم طائفًا وراكعًا وساجدًا، ونصف عمله(بالاستحمار).

ثانيًا: يجد المسلم الزائر لبيت الله الحرام، والطواف حول الكعبة المشرفة لذة ومتعة وطمأنينة وسعادة في قلبة قد لايجدها في عبادات أخرى، وهو تصديقًا لقوله صلى الله عليه وسلم:(استمتعوا بهذا البيت فقد هدم مرتين ويرفع في الثالثة(رواه الطبراني في الكبير وابن خزيمة في صحيحه والحاكم وهو حديث صحيح.  فالزائر للبيت وبعد رؤية الكعبة المشرفة يمتلئ قلبه إيمانًا وحبًا لله تعالى، ولا يجد أن شبع من رؤية البيت والطواف حوله.

ثالثًا: هذا البيت جعله الله تعالى مُعظمًا وأقسم -عز وجل- به، قال تعالى:) لاأقسم بهذا البلد) ولا يُقسم -عز وجل- إلا بمُعظم، وبين -عز وجل- في كتابه العزيز أن من علامات تقوى القلوب تعظيم هذا البيت وآياته البينات وشعائره ومن ضمنها تعظيم زائريه ومحبيه، فقد قال تعالى (ذلك ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب) الحج.

فكيف تصف الكاتبة المعتمرين والطائفين والمحبين (بالحمير)؛ حيث قالت في مقالها السيئ الذكر مانصه “هل هي نباهة دينية أو استحمار ديني أن نقبل على الله بتدين مملوء إلى آخره بالعبادات وتدين فارغ إلى آخره من الأعمال الصالحة” وتضيف في عبارات سوقية فارغة من تعظيم الله تعالى وآياته وضيوفه مانصه.. “أليس من الاستحمار أن نظن بأننا نستطيع أن نستغفل الله بعمرة رمضانية ليدخلنا جنته ونحن على ما عليه من أخلاق سيئة ” وتُضيف في عبارات سوقية تسخر فيها بالتوحيد وسورة الإخلاص، والتي يُحب الله من يُحبها، وبمن يحرص على ترديدها وتصفه (بالطنطنة)؛ حيث قالت.. “كم نطنطن بالتوحيد (وقل هو الله أحد نقرأها عشرات المرات في اليوم الواحد) وكأن العدل المفقود عندنا وبيننا ليس هو من أصول ديننا” ولم تعلم (أو أنها تتغابى) أن أعظم عدلًا في هذا الكون هو توحيد الله تعالى، وأن أعظم ظلمًا هو الإشراك بالله الخالق البارئ العظيم، حيث قال تعالى على لسان لقمان الحكيم (يابني لاتشرك بالله إن الشرك لظلم عظيم) لقمان..

بحمد الله وتوفيقه ثم بجهود قادة هذا الوطن وعلمائه تخلو بلادنا الغالية (المملكة العربية السعودية) حماها الله من جميع مظاهر الشرك، فكيف تتجرأ تلك الكاتبة وتصف من يردد (قل هو الله أحد) بالطنطنة، أي غير المفيدة.

رابعًا: صح عن المصطفى -صلى الله عليه وسلم- أنه قال في حديث طويل حول فضل الصلاة في الحرم(وصلاة في المسجد الحرام أفضل من مائة ألف صلاة فيما سواه..)أي أن صلاة واحدة في المسجد الحرام أفضل من صلاة(أكثر من ٥٥ سنة خارجه) وصلاة يوم بليلة( خمسة فروض) أفضل من صلاة(٢٧٧ سنة) خارجه، وصلاة عشرة أيام أفضل من صلاة )٢٧٧٠ سنة) وهو مايتجاوز عمر نوح عليه السلام، وعليكم الحساب، بل ذهب عدد من علماء السلف والخلف إلى أن كل حسنة في الحرم، كالصدقة، والذكر، والصيام هي بمائة ألف حسنة، ولا عجب فالمعتمر والزائر هو ضيف على أكرم الأكرمين الله الحي القيوم، فكيف تلوم تلك الكاتبة من ينافس على هذه الكنوز.

خامسًا: نحن لاننكر وجود بعض التجاوزات من بعض المعتمرين، في أخلاقياتهم، أو طريقة إنفاقهم، فهم غير معصومين، وهم قِلة بحمد الله وهناك برامج توعوية، ودروس دينية بالمسجد الحرام، ورسائل تدعو الجميع لتعظيم حرم الله تعالى والحرص على الأخلاق الإسلامية، وقد حققت الكثير من أهدافها بحمد الله، حيث أخبرني بعض آئمة الحرم، ومن المسؤولين برئاسة الحرمين، وجمعية هدية الحاج والمعتمر، ومشروع تعظيم البلد الحرام وغيرها من القطاعات البحثية التي تهتم ببرامج التوعية بأنهم تلقوا اتصالات ورسائل من عدد من المعتمرين من الداخل والخارج يخبرونهم أنهم اقلعوا عن كثير من العادات السلبية بعد زيارة بيت الله، ولا مانع من مناقشة أي مواضيع حول العمرة والمعتمرين، والمسجد الحرام، ولكن بما يتناسب مع عظمة البيت، وحفظ مكانة ضيوف الله، وإحسان الظن بهم.

سادسا: تلك الغرف والأجنحة المطلة على الحرم، يتم في كثير منها خلال ليالي رمضان من كل عام مساعدة الآلاف، بل مئات الآلاف من الجمعيات الخيرية، ودور الأيتام، والمشروعات التي تخدم الإسلام والمسلمين في الداخل والخارج، ورغم ذلك فنسبتها ونسبة من وصفتهم الكاتبة بأن قيمة إفطارهم(٥٠٠ ريال) قد لاتتجاوز(١٪) خلال شهر رمضان.

سابعًا:أ وردت الكاتبة موضوع شخص وصفته أنه( كافر)، ورغم ذلك يحرص على الصيام،والصدقات. وتساءلت، وكأنها تقارن من يقول إن الله ثالث ثلاثة، وأن لله ولد وشريك، تعالى الله عما يقولون، وأن يد الله مغلولة، غُلت أيديهم، بالمعتمرين الموحدين المسبحين والطائفين والعاكفين والرُكع السجود في أقدس وأعظم وأول بيت بُني لعبادة الله، حيث قالت مانصه … “في مقابل كل هذا نجد رئيس الوزراء الكندي (الكافر !!) يصوم رمضان للسنة الثانية مشاركة لمواطنيه من المسلمين ومن ثم يجمع ما يوفره من مال في صومه ليتبرع به للجمعيات الخيرية.

فيا ترى من هو الحمار ومن هو الإنسان ؟؟؟والجواب على تبجحها، هوأن الحمار من يعبد غير الله تعالى وليس من يُعظم الله، ونسأله -عز وجل- من جوار بيته العتيق الهداية للجميع..

عبدالله سعيد الحسني الزهراني

باحث في تاريخ وأدآب المسجد الحرام

عبدالله سعيد الزهراني

باحث في تاريخ وآداب المسجد الحرام

مقالات ذات صلة

‫4 تعليقات

  1. جزاك الله خير على مقالك زدتنا شوقا إلى بيت الله الحرام
    ونسأل الله أن يهدي ضال المسلمين لعدالة القول وحسن المذهب

  2. جزاك الله خيرا
    في بداية المقال لماذا لم تحترم الكاتبة الحديث الشريف عن العمرة في رمضان ؟؟

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى