المقالات

همسات الخميس

قبل عام 1970م كان مجتمع الباحة ( 300 كلم جنوب مكة)  يتركب من شريحتين، الحضر وهم سكان القرى الذين اشتغلوا بالزراعة وعلى هامشها تقوم حرفة تربية الحيوان وحرف خدمية أخرى مثل الحياكة والنجارة والتجارة و تصنيع الحلي وصيانة الأدوات المنزلية أو الزراعية، أما الشريحة الثانية فهم البدو الذين اشتغلوا بالرعي وعلى هامشه نمط من الزراعة البدوية تقوم على بذر الأرض والرحيل عنها خلف القطيع إلى أن يحين موعد الحصاد فيأتيها ليحصد ما يجده فيها، أما الخدمات فإن البدو يحصلون على ما يحتاجونه منها بالوفود إلى أسواق الريف التي تعارفوا على تسميتها بالمَهَجَر.

        الحضر منتجون مستقرون متشبثون بالأرض ولذلك كانوا أكثر ميلا للمسالمة والمصافحة، وللحفاظ على حياة آمنة مطمئنة فقد اتبعوا عددا من آليات التعامل مع الآخرين منها التحالف الجماعي والتحالف الفردي، والتحالف يرتفع بالعلاقة بين المتحالفين الى مرتبة شفيفة من الإخاء والتعاون واحترام الآخر حتى بات التسمي بأسماء القبائل النابهة في حينه عادة مستحبة عند الناس فتجد من الأبناء من يكون اسمه : عتيبي، نسبة إلى عتيبة وهو ليس منها، وحربي نسبة إلى حرب، وتركي نسبة إلى الأتراك، وخبتي نسبة الى الخبوت بين نجود تهامة وسيف البحر، وحبشي ومصري وشامي ويماني وزعبي ومغربي وغير ذلك.

        ومن تلك الأليات أيضا سن القوانين التي تقيم موازين العدل في الداخل ومع الخارج، ولقد اطلعت على مخطوط اسمه: العوائد العاركة الداركة بين قبائل غامد وزهران (تشكلان مع بني عمر قبائل الباحة) ضم بين دفتيه تنظيمات كثيرة تتراوح بين الشأن الداخلي وبين الشأن الخارجي كما تتراوح بين القضايا الفردية والقضايا الجماعية، ومثلما تهتم بالعقوبة فهي تهتم أيضا بالمكافأة، وعول المجتمع على القول في تبسيط تلك القوانين وإشاعتها وكرسوا للشعر حكما بين الناس، وكم فعلها فنزع فتيل حرب كانت قاب قوسين أو أدنى من الاشتعال.

        ولأن العمل الزراعي شاق ومتشعب فقد كان المجتمع الزراعي بحاجة لكل أفراده، لا فرق بين صغير وكبير ولا بين ذكر وأنثى، ولذلك كانت المرأة موجودة في الحقل جنبا إلى جنب مع الرجل مكرمة معززة، ترتاد الأسواق وتعمل في الحقل وتشارك في الألعاب التي تجمعها بالرجل، تقول الشعر وترويه وتبدي الرأي، ولذلك جاء في أمثالهم: خذ الشور من تحت الضفائر، تلك الحاجة قد دعت أيضا لشيوع نظام الرق، وهو وإن لم يكن بالتوسع الذي نجده في أقاليم أخرى الا أنه قد أوجد طبقة عرفت باسم العبيد، وكانوا من الرقيق الأسود الذين يواجهون صعوبات في النطق وفي سرعة البديهة بسبب البيئة الجديدة التي وجدوا أنفسهم فيها، مما أولد حالة من التفكه على أولئك الأرقاء دون الحاق أدنى ضرر جسدي بهم، بل كانوا يشاركون القبيلة أفراحهم وأتراحهم وكان لبعضهم نباهة تؤهله للمشاركة في الرأي.

 محمد ربيع الغامدي

مقالات ذات صلة

‫4 تعليقات

  1. أبو أحمد
    بن لافي
    عبد الله الغامدي
    تحية محبة لكم ، ومعذرة للتأخير .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى