المقالات

احتفاء بالرواية !

أنحاز إلى الرواية قراءة وإنتاجًا؛ لأنه فن واسع يُتيح لك أن تهضم كل الفنون القولية داخله، بل ويتجاوز ذلك إلى أن تحوي العلم فكرًا وفلسفة، والعالم رؤية وتعايشا. في عالم الرواية ضجيج يمنح النفس هدوءًا وطمأنينة، يُتيح لها التعديل على النماذج البشرية التي لا تورق ولا تروق، بل ويعرضها بما فيها من نقص، يوغل في أعماقها من خلال الإيغال في أعماق النفس التي تنطوي على نسخ عديدة من النماذج البشرية في تعدد مشاربها وتلاقح وتناقض أفكارها.

الرواية حلم طويل محسوس، وحياة برزخية بين واقع الكاتب وطموحاته المستقبلية. تارة يرتد بها إلى الماضي وتارة يركض بها إلى المستقبل وفي كل الأحوال هو يؤسس عالمًا موازيًا مبهجًا حتى وهو ينقل أحزانه وإحباطاته، فالشخصية الحزينة المعذبة داخل الرواية هي الأخرى مصدر سعادة للكاتب بصرف النظر عن موقفه الإنساني منها.

أنحاز إلى الرواية قارئًا أكثر، لأني أرى من خلالها عوالم أخرى تتحرك في فضاءات كتاب آخرين يتحفونني بالجديد من الدهشة وفلسفة الحياة، غير أني لا أجد نفسي، ولا أجد مذاقًا فكريًا ماتعًا، حين أقرأ رواية أفقية تتحرك بين شخصين في علاقة رومانسية عاطفية دون أن توغل رأسيا في أعماق النفس الإنسانية؛ لهذا أركل كل رواية لا تعكس عالمًا مكتملًا بضجيجه، برؤى الناس، بأفكارهم، أركلها بعيدًا حين أشعر أن الروائي “الكاتب” ينقل لي رسائل غرامية فحسب، أو يسحب خيط سرد هزيل بينه وبين عشيقة تنتظره عند الصفحة الأخيرة من الرواية .

الرواية من هذا المنظور الذي أعلنتُ انحيازي له فنّ يعبر بك إلى العالم الذي ليس في وسعك أن تصل إليه مهما تكلّفت لذلك بغير القراءة، وهنا يتحوّل فعل القراءة إلى سفر سياحي جميل وعميق في الوقت نفسه، فأنت من خلال السفر التقليدي قد تزور الأماكن وتقرأ ملامح البشر لكن كل ذلك يبقى عبورًا سريعًا لا يوغل بك إلى أعماق الشعوب وتفاصيل المدن في شوارعها وضجيجها وما تكنّه البيوت من أسرار حميمة.

وحدها القراءة تفعل ذلك عبر رواية فريدة بصحبة روائي من الطراز الرفيع يتكفّل بأن يكون مرشدك السياحي دون أن تكلّف نفسك التجوال في شوارع صارت اليوم أشبه بقنابل موقوتة تتربّص بالسائحين.

سعود الصاعدي

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

  1. كلام جميل أنا أيضًا أجد نفسي بين الروايات كقارئة دائمًا ماتكون الرواية هي خياري الأول حين قراءة .. وكذلك ككاتبة حينما كتبت لم أجد نفسي إلا وأنا أكتب رواية تم صدورها مؤخرًا .. تشرفني قراءاتك لها وأكون سعيدة لو منحتني رأيك الصادق بها بعد القراءة هي بعنوان #هروب_إلى_حيث_كنت لـ أمجاد عبدالله الشمري .. متوفرة بجميع فروع جرير ..

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى