أما الشطر البدوي فقد كان ارتباطه بالأرض يخضع لمواطن الكلأ والعشب وهي تلك المواطن التي قد تأخذه إلى ديار أخرى تخضع لسيادة قبائل أخرى، هذا الحال قد وطن النفوس على تقبل الجار ذي الجنب أولا، ثم الجيران الأباعد، ثم كل الناس ثم تطور الحال إلى أن قال مثلهم البدوي: رد السلام على الخشب القيام.
وكما فعلوا ذلك مع الناس أهل الأرض القريبة فعلوه مع الناس الذين يأتون إلى ديارهم فلا يستنكرون وفادة أحد عليهم مادامت تلك الوفادة ضمن مفاهيم الجيرة والمصالح المشتركة، ولا يتردد البدوي في استقبال الغريب والقيام بواجب الضيافة، كما أنه ينتظر ذلك من الآخرين بل ويرى من أصول العلاقة بالآخرين أن يطرح عليهم مشاكله واحتياجاته.
والمرأة كانت حاضرة في المجتمع البدوي، فهي ربة بيت وهي عنصر مساعد في العناية بالحيوان، وهي أيضا تقول الشعر وتطلب الرأي وتعطيه، وقد تشارك في القيادة وما أكثر الأمثلة التي تخلد مشاركات النساء في ذلك، وقد اشتهرت السيدة غالية البقمية بقيادة جيش من البقوم (جيران غامد البدو) لمواجهة جيوش محمد علي وتمكنت من هزيمتها قبل قرنين من الزمان، جاءت هذه الحادثة في مصادر كثيرة منها تاريخ الجبرتي.
أما العبيد فلم تكن للبدو حاجة مباشرة بهم، لكن أعدادا كبيرة من العبيد تستقر في الواحات للعمل في زراعة النخيل، والواحات غالبا ما يتناثر البدو حولها، وقد تكون تلك الواحات في الواقع بمثابة أسواق يفد عليها البدو الذين لا يظهرون اكتراثا بهم وربما وجد العبيد ازدراء من جانب أولئك البدو.
هذا الكلام عن بدو الباحة هو امتداد لهمسات الخميس المنصرم عن حضر الباحة، وهو يأتي في سياق كلامنا عن الباحة قبل عام 1970، والهدف منه تحديد موقف الناس من الآخر، موقفهم من المرأة ومن العرقيات المختلفة ومن طبقات المجتمع، وهذه حقبة عشتها وأقراني مثلما نعيش يومنا الراهن.
بقي أن أضيف أن الحساسية المذهبية لم تكن ملاحظة في تلك الحقبة وكان الزيود القادمون من اليمن للارتزاق يعيشون بينهم عيشة لا يشوبها شائبة، يأكلون معهم ويشربون ويصلون في مساجد واحدة، وكان مذهب الباحيين (الشافعي) يندمج مع بقية المذاهب السائدة في بلدان الحجاز وكان يستوعب أيضا بعض الطرق الصوفية مثل النقشبندية والخامرية المتفرعة من الشاذلية.
محمد ربيع الغامدي