ذهبت إلى محل تجاري فوجدته مغلقاً وقد كُتبت عليه لافتة صغيرة تقول: (المحل مغلق للصلاة)، فتذكرت أن وقت صلاة العشاء قد حان، فصليت ثم عدت إلى المحل لأشتري أغراضي… فكان أن فاز صاحب ذلك المحل بأجره وأجري حين صلى وذكَّرني بالصلاة فأديتها في وقتها.
وقرأت أن أحد المحلات التجارية كان أكثر إيجابية حين أوصد أبوابه، ثم علَّق لافتة كتب عليها (ذهبنا إلى الصلاة فالحق بنا)!
فشتان بين من يترك محله مفتوحاً والصلاة تُصلَّى، ليطلب المكسب من الخلق ويترك الخالق، ويبحث عن الرزق لدى المرزوق ويترك الرزاق الذي ناداه إلى الصلاة على لسان المؤذن قائلاً: (الله أكبر، الله أكبر) الذي يعني أنه لا أكبر من الله تعالى، وناداه بقوله: (حي على الصلاة حي على الفلاح)؛ فأي فلاح وأي نجاح ينتظره من يضيِّعُ الصلاة التي تعني صلته بربِّه، يضيِّعها من أجل عرض من الدنيا قليل؟!
******
واشتريت دواءً من صيدلية ففتحت بابها فإذا بصوت آلي يذكرني بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم.
وذكَّرني ذلك بصاحب سيارة كتب على ظهرها (هل صليت اليوم على النبي صلى الله عليه وسلم؟)، وآخر كتب على سيارته (لا تنسَ ذكر الله)، وآخر كتب (التوحيد ينجيك).
فشتان بين هؤلاء وبين من تدخل محله فيصمّ أذنيك بغناء هابط وصاعد، لا يراعي فيه ديناً ولا أدباً ولا ذوقاً ولا شعوراً لأحد، وكأنه ليس في محل عام فيه من لا يسمع الغناء ويرى حرمته، وفيه من لا يعجبه المطرب الذي اختاره، وفيه المريض، وفيه الذي ينشد الراحة والهدوء!
وشتان بين هؤلاء وبين من كتب على سيارته عبارات تخدش الحياء، أو لا تضيف لقارئها شيئاً ينفع، أو علَّق على سيارته صوراً لمتبرجات، أو لشخصيات لا ترتقي لأن تكون قدوات للمسلمين، أو لأناس يعظَّمهم ويعتقد فيهم الولاية والصلاح، ويتغاضى عن الأحاديث الواضحة في حرمة تعليق الصور!
*****
وفي المقابل يثلج صدرك أن ترى شاباً يقف في المواصلات العامة ليُجلِس في مقعده رجلاً عجوزاً أو امرأة عجوزاً أو فتاة خشي عليها من مضايقة ذوي القلوب المريضة؛ فشتان ما بينه وبين شاب وقف بجانبه رجل مسن أو امرأة في عمر أمه، فتعامى عنهما وآثر الجلوس في مقعده، ولو كان باراً بوالديه لبرَّ بهما!
*****
وتغتبط حين ترى شاباً يأخذ بيد عجوز أو كفيف البصر فيعبر به الشارع، أو يساعد امرأة فيما ثقل عليها حمله من الأغراض، أو يقف بسيارته ليحمل من لم يجد مقعداً في المواصلات العامة، أو يساعد رجلاً تعطلت سيارته.
فشتان بينه وبين شاب غاض حياؤه؛ فأخذ بيد فتاة لا تجمعه بها علاقة شرعية، فتبادلا الابتسامات والهمسات، دون خوف من الله ولا مراعاة للناس، وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي قال: (إن مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى: إذا لم تستحِ فاصنعْ ما شئتَ) رواه البخاري، ولو رأى مثل هذا أخته يمسك بيدها شاب آخر؛ لأرغى وأزبد، وما رضي بذلك!
*****
وصار معتاداً أن ترى المحلات التجارية تضع أمامها مبردات للماء أو حفاظات ليشرب الناس منها حين يشتد عطشهم في الصيف القائظ، ولعلهم يتمثلون قول النبي عليه الصلاة والسلام: (ليس صدقةٌ أعظمَ أجراً من الماء) حسنه الألباني.
*****
إن الخير موجود في مجتمعنا بحمد الله تعالى، وإن الظواهر الصحية كثيرة بفضل الله تعالى؛ فإذا ركزنا على المساحات الإيجابية، وأثنينا عليها، وعززناها؛ توسعت وطغت على مساحة الشر في المجتمع؛ فانتشرت وصارت ثقافة عامة وأدباً مشاعاً.
علي صالح طمبل