هناك أناس قلَّ من يلتفت إليهم أو يأبه لهم في زحمة الحياة ولهاثها، وإن كانوا عند الناس منسيين فربّ الناس لا ينساهم.
وربما كان هؤلاء أقرب إلى الله من الكثيرين؛ لأنهم بطبعهم ضعفاء، مفتقرون إلى الله تعالى؛ على النقيض من كثيرين أصابهم البطر والكِبْر والاغترار بالقوة والنفوذ والمال! و(رُبَّ أَشْعَثَ مَدْفُوعٍ بِالْأَبْوَابِ لَوْ أَقْسَمَ عَلَى اللَّهِ لَأَبَرَّهُ”؟ وما معنى: “ذي طمرين) رواه الترمذي.
تجدهم في حيِّك أو مكان عملك أو في طريقك، قد يكونوا من الفقراء، أو اليتامى، أو الأرامل، أو المشردين، أو المتسولين، أو المعاقين، أو من يسمون بأصحاب المهن الوضيعة والهامشية الذين قد يزدريهم الكثيرون، أو يحتقرونهم أو يأنفون من الحديث إليهم، يجمع بينهم جميعاً الفقر والحاجة من جهة، والضعف والافتقار من جهة أخرى.
هل فكرت يوماً أن تقترب من أحدهم.. أن تقدِّم له مساعدة.. أن تسأل عن أحواله وأحوال أهله ومن يعول، أو حتى أن تبتسم في وجهه على أضعف الإيمان؟
صدِّقني لو فعلت ذلك لأدخلتَ السرور على قلبه، ولانبسطت أساريره سائر يومه، وربماحدَّث بذلك أهله ومعارفه بصنيعك؛ لأن القليل من الناس يأبه له أو يهتم به، سينشرح صدره، حتى وإن كان كل ما فعلتَه لا يعدو أن يكون سؤالاً عن أحواله أو ابتسامة في وجهه!
إنهم أحوج ما يكونون لمن يربِّت على كتف مهموم منهم فيشعر بقيمته، ومن يمسح على رأس يتيم منهم فتنفرج أساريره، ومن يساعد الفقير فيهم فتطيب نفسه؛ من يفعل كل ذلك أو بعضه وهو يستحضر أن السرور الذي يدخله على قلب أحدهم من أجلِّ الأعمال عند الله تعالى، وذلك مصداق قول النبي صلى الله عليه وسلم حين سئل عن أحب الأعمال إلى الله فأجاب بقوله: سُرُورٌ تُدْخِلُهُ عَلَى مُسْلِمٍ، أَوْ تَكْشِفُ عَنْهُ كُرْبَةً، أَوُ تَقْضِي عَنْهُ دَيْنًا، أَوْ تَطْرُدُ عَنْهُ جُوعًا، وَلأَنْ أَمْشِي لأَخٍ لِي مُسْلِمٍ فِي حَاجَةٍ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَعْتَكِفَ فِي هَذَا الْمَسْجِدِ ـ يعَنْيِ مَسْجِدَ الْمَدِينَةِ) وأن يتذكر أن ذلك سبب في المقابل في إدخال السرور علىى قلب من فعله وتليين ما قسا منه، والجزاء من جنس العمل كما في الحديث: إن أردت تليين قلبك , فأطعم المسكين و امسح رأس اليتيم) السلسلة الصحيحة (2 / 533).
عندما تلتقي بعامل الطلمبة التي ترتادها دائماً أو حارس المبنى الذي تسكن فيه، أو الفرَّاش في مقر عملك، فلا تنسَ أن تسلِّم عليه مبتسماً، وأن تسأله عن أحواله وأحوال أهله وأولاده، وإن لم تستطع أن تقدم له هدية أو مساعدة فلا أقل من أن تدعو له بالخير… حينها ستنبسط أساريره، وربما فتح لك قلبه، وربما دعا لك بدعوة قد لا تشقى بسببها أبداً.
فالضعفاء والفقراء هم الأقرب إلى ربهم، وسبب من أسباب النصر والرزق؛ لأنهم مفتقرون إلى الله تعالى، وأبعد الناس عن الكِبْر والتعالي؛ لذا كان النبي عليه الصلاة والسلام يحبهم ويخالطهم ويحنو عليهم، ويقول: (إنَّما يَنصر الله هذِهِ الأمَّة بضَعيفِها، بدَعوتهم وصلاتهم، وإخلاصهم) رواه النسائي.
علي صالح طمبل