المقالات

الهاشتاقات في تويتر والخواء الثقافي!

 قديمًا كان إجماليّ عدد المؤلّفات الصادرة عن مجتمع من المجتمعات إلى جانب معدل قراءات أبنائه اليوميّة للكتب هما المؤشّر على تقدم الأمم أو تأخرها، كان هذا قبل تأسيس شبكات التواصل الاجتماعي، أمّا الآن الأمر اختلف تمامًا، بوصلة قياس تحضّر المجتمعات أخذت منحى آخر، وبدأت بطرح تساؤلات أخرى، منها: قل لي ما (الهاشتاقات) التي تتصدّر اهتمامات أفراد مجتمعك في تويتر أقل لك ما حالتكم الثقافية؟
هذا السؤال من شأنه أن يضعنا في ورطة معرفيّة نفضّل أمامها أن نتوارى عن الأنظار خجلًا من واقع اهتمامات أفراد مجتمعنا الظاهرة فيما يسمى بـ(الهاشتاقات النشطة)، حقًّا نُعاني حالة تيه ثقافيّة ما بين عبارات سطحيّة لا تخلو من العنصريّة والتهميش، أو (هاشتاقات) أخرى عنوانها التخوين والتشكيك وقد تصل أحيانًا إلى حد التكفير! والحقيقة أن لهذا السقوط المريع في (تويتر) وغيره من شبكات التواصل الاجتماعي أسبابه ودوافعه، في مقدمتها ضعف دور المؤسسات الحكوميّة التي تُعنى بقضايا الشباب والثقافة، عادة ما تكتفي بالتغريد عن أخبارها واتفاقيّاتها، تتعامل مع تلك الشبكات بوصفها صحفًا إخباريّة، تُعاني من ترهّل في فهمها لآليّة الشبكات الاجتماعية، ولا نكاد نجد من إحداها مبادرات في (الهاشتاقات) تحمل أبعادًا وطنيّة وتثقيفيّة، أو على أقل تقدير تنصت من خلالها لما يقوله المواطن عن خدماتها. لنأخذ دولة الإمارات على سبيل المثال، وزارة الشباب لديها دأبت على إطلاق (هاشتاقات) تمنح المواطنين فرصة طرح مبادرات ترسّخ القيم داخل المجتمع، بعدها تُفرز الصالح منها وتبدأ جديًّا في تنفيذ إحداها مع الإشارة لأصحاب الفكرة، في منظر حضاريّ يعكس استشعار تلك الوزارة وغيرها من المؤسسات لمسؤوليتها الاجتماعيّة ودورها في إشراك المواطن لتصحيح السلبيّات التي يعاني منها وطنه.
الأمر لا يقف عند ضعف دور مؤسساتنا الرسميّة في تحسين بيئة استخدام تويتر لدى أفراد مجتمعنا، بل هناك أيضًا سبب آخر، وهو غياب تأثير رموز مجتمعنا الثقافيّة والفكريّة والدينية، معظمهم ينفقون أوقاتهم في التراشقات والمهاترات الجانبيّة، ومن لا يفعل ذلك منهم يكتفي بنشر تغريدات عشوائيّة مقتبسة من كتبه أو إحدى لقاءاته التلفزيونيّة، وكأن شبكات التواصل الاجتماعي صُنعت من أجل أرشفة ما كتبوه أو قالوه، في وقت تبرز فيه الرموز في المجتمعات المتقدمة بوصفها قدوة في التأسيس للسلوكيّات الإيجابيّة داخل المجتمع، وتتيح للآخرين إمكانيّة التحاور معهم لاكتساب الخبرات وتحقيق النمو المعرفي.
أخيرًا، هل ستدرك مؤسساتنا الرسميّة وكذلك رموزنا الثقافيّة حجم المسؤولية المُنتظرة منهم؟، أم أننا سنستمر في التواري عن الأنظار خشية الإجابة على السؤال الذي يقول: قل لي ما (الهاشتاقات) التي تتصدّر اهتمامات أفراد مجتمعك في تويتر أقل لك ما حالتكم الثقافية؟

ياسر صالح البهيجان

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى