على المستوى الإنساني والمشاعر الصادقة يظل صمت عمران عنوانًا لكل شفقة ورحمة وعدل وإنصاف، في المقابل حالة الذعر والخوف والهلع التي عاشها عمران هي الأخرى عنوانًا لكل قسوة ووحشية انتهجها النظام السوري، الأمر الذي يجعلنا نقرأ صمت عمران من رؤية الشاعر فواز اللعبون. يقول: طفلٌ أطلّ من الركام مروعًا وعليه من لون الذهول خِضابُ يخرج عمران من بين أكوام من الركام؛ ليجلس على كرسي الإسعاف وهو في ذهول تام بعد أن تخضب وجهه بالدماء جراء وحشية لا تعرف الإنسانية والرحمة.
وبرغم صعوبة التركيز من غزارة الدم وعدم شعوره بالطمأنينة إلا أنه حاول قراءة ما حوله، فيمد يده اليسرى يمسح عينه التي غشاها الدم ويوثق بيمناه طرف المقعد خوفًا من مجهول قادم كان يتوقع من خلاله الأسوأ.
(لم يدرِ كيف يبين عن آلامه… والفاجعات أمامه أسرابُ) إن هول الموقف يجعل عمران يمعن في صمته ذلك الصمت أبلغ رسالة يبعثها إلى الإنسانية والعالم، يلتفت حوله دون أن يستطيع أن يبين عن معاناته وآلامه، وكان صمت عمران يُناشد الإنسانية بأن لايكون مشهده لحظة عابرة، بل يريدها رسالة من صمت صادقة من قلب فاض بالفاجعات يرسلها إلى العالم بأسره. نعم، إنها رسالة مفادها أن تُصان حقوق الإنسان؛ كي يستقر ويشعر بالطمأنينة والأمن والاستقرار. إن صمت عمران مختلف تمامًا؛ فهو صمت دوى في أرجاء الكون ليتساءل. إذا كان بث الخوف والرعب في صفوف الناس هو إرهابًا حقيقيًا وفق كل الأعراف والنظم الدولية، فكيف بمن يمعن في إزهاق أرواح المئات من الأطفال أمثاله. صمت عمران مختلف تمامًا، فهو يصرخ بأن المئات من أقرانه مهددين بخطر يفوق مشهده بكثير. (جارت مواجعهُ فأطرق صامتًا…. والصمت في الوجع اللئيم خِطابُ).
نعم من خلال صمت عمران جارت مواجعه ماذا يقول؟ عن ماذا يتحدث؟ عن لحظة دوي الانفجار أو عن الركام الذي دفن تحته أو عن حال مستمر كل يوم يعذب فيه كل أطفال سوريا، بل فضل الصمت ليتحدث المشهد، والذي يجب أن يرسخ في أذهان المجتمع الدولي وكل منظمات حقوق الإنسان؛ كونه يتكرر يوميًّا في سوريا ولايمكن للعالم أن يتجاوزه أو يتجاهله أو يتغافل عنه فصمت عمران قد عبر عن كل جور ووحشية وظلم يقع بحق الإنسان في سوريا.
أما ماهو فيه من حال يؤكده عمران مرة أخرى من خلال صمته أن حاله مفروضًا عليه ولاسبيل من أن يتجاوزه، فالممارسات الوحشية التي يمارسها النظام السوري تعني بالنسبة لزمرة بشار انتصارًا واضحًا ويجب أن ترفع له راية، وعلى وقع إيقاع الدول الداعمة تزداد الوحشية نحو تدمير الحياة وحرق الوجود، والعالم لايزال صامتًا، لكنه صمتٌ يختلف عن صمت عمران الذي عبر عنه الشاعر حسن الزهراني عندما قال : ماذا أقول؟ لمن أقول من الذي…. سيزيل عن قلبي جبال عذابي. ولعله نداء على لسان عمران يوقظ ضمير العالم. إلى لقاء .
عوضة بن علي الدوسي
ماجستير في الأدب والنقد