الشعور الفياض بعظمة هذه الرحلة الروحيّة الخالدة لا تشعر به إلا النفوس الزكيّة التي وجدت لديها القابلية ، وهي قابليّة خاصة يهبها الله لمن يشاء من عباده ، وممن حرم هذا الشعور الفياض أبو سعيد الرستمي الذي تحولت هذه الرحلة الروحية في نظره إلى ضرب من العبث ، ووصفها متهكماً فقال :
حجي إلى الباب الجديد وكعبتي
الباب العتيق وبالمصلى الموقف
والله لو عرف الحجيج مكاننا
من زندروز وجسره ما عرفوا
أو شاهدوا زمن الربيع طوافنا
بالخندقين عشية ما طوفوا
زار الحجيج منًى وزار ذوو الهوى
جسر الحسين وشعبه واستشرفوا
ورأوا ظباء الخيف في جنباته
فرموا هنالك بالجمار وخيفوا
أرض حصاها جوهر وترابها
مسك وماء المد فيها قرقف
الرستمي شاعرُ كبير ، لكنه حرم الشعور الفياض بجمال هذه الرحلة الروحية الخالدة ، فجعل حجة إلى زندروز بأصبهان ، وكأن التاريخ يعيد نفسه ، فملالي إيران يعيدون إنتاج شعور أبي سعيد الرستمي ، ويمنعون حجاج بيت الله الحرام ، ويحرمونهم الشوق إلى هذه البقاع المقدسة . ولكن كثيراً منهم ليس له موقف أبي سعيد وشعوره ، فقلوبهم معلقة بالبيت العتيق كما تعلق بها الشريف وهو يودعها باكياً حزيناً :
لم يحلُ لي من بعد وجهك منظرُ ذمّ المنازل كلهن سواك
لقد ودعها رسول الله صلوات الله وسلامه عليه باكياً ، وقال : والله إنك لأحب البقاع إليّ و لولا أن قومك أخرجوني منك ما خرجت . فكيف لا يبكي المحبون وهم يتركون قلوبهم بين زمزم و الحطيم ، ومنى وعرفات ، وقد ذاقوا من النعيم ما ذاقوا .