المقالات

أكشن يا تويتر

لا يوجد برنامج من برامج التواصل الاجتماعي تعلقت به أطياف واسعة من الشعب السعودي، ونال إعجابهم وأصبح جزءًا أصيلًا من حياتهم اليومية “كتويتر” ذلك الطير الأزرق الذي حرك العالم والذي يعرف باسم المدونة المصغرة، ف twit تعبير عن صوت العصفور، وعندما يتوّت الإنسان فهو يغرد، لذا كان twiter يعني المغرد.

وحسب دراسة أجراها قسم الإحصائيات في موقع “بيزنس إنسايدر” ونشرتها قناة الجزيرة بلغت نسبة المستخدمين النشيطين لموقع تويتر من السعودية إلى إجمالي عدد مستخدمي الإنترنت بشكل عام، حوالي 41%، متفوقين على دول كالولايات المتحدة التي بلغت نسبة مستخدمي تويتر فيها 23% من مستخدمي الإنترنت، والصين التي بلغت النسبة فيها نحو 19% فقط. وتويتر رغم محدودية أحرفه المسموح بها للتغريد إلا أنه راق للسعوديين جماعة “هات الزبدة” ولا يكثر .. ويبدو أنّ غالبية الشعب من المؤمنين بقاعدة: “خير الكلام ما قل ودل”؛ وبذلك تكون ١٤٠ حرفًا ميزة لمن لا يحبون الثرثرة واللّت والعجن ويميلون لاختصار الكلام. كما كان لانتشار فن “قصف الجبهة” الذي يطرب السعوديين دورًا كبيرًا في تعلقهم بتويتر؛ حتى أدمن بعضهم البحث عن لقطات القصف التي اشتهر بها عدد كبير من المغردين، والقيام بترويجها في مواقع التواصل الأخرى. وكلما نجحت في قصف جباه الآخرين وتفجيرها -كما يقولون- كَثُر متابعوك، ومعيدو تغريداتك “وهو ما يعرف بالريتويت” أكثر .

ومهارة قصف الجباه، كما يسمونها تحتاج لحضور ذهني عالٍ وسرعة بديهة وقدرة عالية في التلاعب بالمفردات والمعاني مع الجرأة وتحمل ردات الأفعال المعاكسة. وهي صورة من صور الإفحام التي تقوم على المغالبة المنطقية البرهانيَّة أو الإنشائيَّة.

ويرى كثير من أبناء الشعب السعودي أن لتويتر دورًا مؤثرًا في إيصال أصواتهم لولاة الأمر خاصة وأن لخادم الحرمين الشريفين وولي عهده حسابات موثقة على تويتر، كما يعتقد الكثير من المغردين أنّ لتغريداتهم القدرة على إيصال شكواهم وتظلمهم للوزراء وكبار المسؤولين وأصحاب القرار في البلاد، وتبلغ الأماني لدى المغردين ذروتها عندما يقومون بإنشاء “هاشتاقات” – والتي يفضل البعض تسميتها بالوسوم – تركز على مواضيع معينة تمس حياتهم أو تنتصر لحق أو تنال من متعدٍّ أو ترد على تصريحات إعلامية.

علمًا أنّ كثيرًا من الوسوم لا هدف منها سوى التسلية أو تقوم على التعصب الرياضي أو تحمل مضامين لإثارة الفتن والنعرات أو لها أهداف خبيثة وغير لائقة، لكن هذا واقع تويتر المثير؛ إذ إنه يضم الغثّ والسمين ولكل ساقطة فيه لاقطة.

وفي النهاية نجد أن بعض الوسوم قد حققت الاتجاه أو ما يسمى “بالترند” المطلوب وفشل البعض الآخر في ذلك، لكنه نجح ولا شك في إثارة موضوع الوسم ووضعه في دائرة الضوء، ولكل وسم مغردوه يزيدون أو ينقصون حسب أهمية الموضوع ، (وكلَّا في سوقه يبيع خروقه) كما يقال في المثل الشعبي. وعلى الرغم من أنّ ” تويتر” كان سببًا في الإيقاف الأمني لبعض الدعاة وبعض المفكرين على خلفية تغريداتهم، كما كان وراء إيقاف بعض كتاب الصحف لنفس السبب إلا أن شعبيته في تزايد مستمر، ويبدو أنّ كثيرًا من السعوديين لم يطلعوا على نظام مكافحة الجرائم المعلوماتية التي تحوي ١٦ مادة، لذلك تجد أنّ كثيرًا من المغردين يندفعون في تغريداتهم دون تحسب للعواقب أو المآلات في حالة تم رفع دعاوٍ ضد التغريدات المسيئة.

وفي الوقت الذي نجد فيه أن بعض المغردين يلجأون فعلًا للقضاء ضد مغرد أساء لهم أو اتهمهم بما ليس فيهم، نجد أنّ كثيرين يكتفون بالحجب ضد من يسيؤون لهم أو يتجاوزون الحد في ردودهم. واستطاع تويتر أن يزيل الحواجز بين القامات الفكرية والعلمية من علماء وأدباء ومثقفين وبين القراء العاديين، فنجد لغة الحوار والنقاش بينهم سائدة، ويستطيع القارئ البسيط أن يعترض على النخب العلمية والثقافية ويعبّر بأريحية عن رأيه فيما يطرحونه من أفكار أو تغريدات. ولتويتر لدينا فوائد غير محدودة، فعند تعيين وزراء جدد أو تعيينات في مناصب قيادية يصبح أرشيف حساب الوزير أو القيادي المعين عرضة للنبش والمراجعة والتمحيص، فيستطيع المنبّشون معرفة ميوله الرياضية وخفة دمه وتوجهاته الفكرية ومواقفه السياسية ووو … إلخ .

إثارة تويتر لا تنتهي، ومما سيدهشك معرفته أن أكثر 10 حسابات عالمية مزدحمة بالمتابعين تضم ٦ حسابات لمغنيين عالميين أشهرهم “كاتي بيري” المغنية والممثلة الأمريكية؛ إذ تتصدر حسابات تويتر الأكثر متابعة بـ٦٤ مليون متابع، وهناك 5حسابات لممثلين ومغنيين لا يقل عدد متابعي أقلهم عن ٤٩ مليون متابع، وهذه الإحصائية تدعو الإنسان للتوقف والسؤال : هل يتبر التمثيل والغناء هو أقصى اهتمامات سكان الكرة الأرضية ؟! وإن كانت الأرقام تجيب بنعم فعلى الدنيا السلام .

ثم هناك حساب الرئيس أوباما الذي يعتبر ثالث أكثر حساب بالنسبة لعدد المتابعين عالميًّا، ولا أعلم كم سيخسر من متابعيه بعد خروجه من البيت الأبيض بعد أشهر من الآن .

وعربيًّا تبدو المعادلة مختلفة تمامًا؛ إذ يتصدر قائمة الـ10 حسابات الأكثر متابعة في تويتر خمسة دعاة ومشايخ منهم العلّامة سلمان العودة والشيخ نبيل العوضي والشيخ عائض القرني والشيخ مشاري العفاسي، وتصدّر القمة الشيخ الدكتور داعية الشباب محمد العريفي يليه الإعلامي المميز أحمد الشقيري، وكادت تخلو القائمة من الفنانين لولا تواجد المغنية أحلام ضمن العشرة.

في الفترة الأخيرة سيطر تويتر على البرامج التلفزيونية بشكل ملحوظ، فلا تكاد تجد برنامجًا إلا وله وسم لتلقي التغريدات، وغالبًا ما تعرض كثيرًا من التغريدات على الشاشة حتى تشعر أن البرنامج جزء من تويتر وليس العكس.

ويمكن الاستفادة من تويتر في التعليم كأداة تعليمية أو وسيلة تواصل بين المعلمين فيما بينهم أو بالتواصل مع طلابهم، وقد ذكر الكاتب رشيد التلواتي تسعة استخدامات لتويتر في التعليم منها نشر الإعلانات للطلاب ومراجعة الواجبات المنزلية، وكسر حواجز التواصل، وعمل الاستبيانات والتصويت والتواصل الإيجابي، ومشاركة المعرفة والمصادر العلمية وكصالة رقمية وكأداة للعصف الذهني وأداة للتقويم أيضًا.

طارق عبد الله فقيه

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى