المقالات

تعليمنا؛ خصامنا أم مستقبلنا

في ظاهرة إيجابية جميلة..
نبدأ أعوامنا الدراسية بجدل مجتمعي كبير تشهده كافة مواقع التواصل الاجتماعي ومواقع الإعلام البديل؛ لمناقشة حالة التعليم في وطننا..
ولكني ألمح تصاعدًا حادًا في تناول الموضوع من زواياه المختلفة..تخرجه حدته عن موضوعيته في أغلب حواراته..
وحتى لا نتحول في موضوعنا هذا بالضرورة إلى صفين متقابلين يعارض بعضنا البعض..
ويتحمل كل صف مسؤولية الرد..
دعونا نلتقي على كلمة جامعة..
مهنة التعليم هي من أشرف المهن إن لم تكن أشرفها..ولا يجوز للحظة أن يتم انتقاصها..
ومن حام حول الحمى وجب ردعه والبيان له بأن شرف المقامات إنما هو بشرف مقاصدها..
ولا يبلغ شيء من الوظائف في مقاصدها ما يبلغه التعليم إلا القليل..وقد بلغ التعليم فيه ذروة السنام في الفضل والمزية..
أما المعلمون فهم كحال أهل الإسلام..
فمنهم ظالم لنفسه؛ أضر بالطلاب وبمستقبل الوطن وشرف المهنة..وهم قليل في ميدان التعليم لمن أبصر واقعه جليًّا..لكن التعليم شبه عاجز في التعامل معهم لخلل ظاهر في نظرة جهاز الخدمة المدنية والتي عملت على معالجة مشاكل البطالة بالوظائف التعليمية..
ومنهم مقتصد؛ يملك قدرًا عاليًّا من الإخلاص والجدية ويفتقد كثيرًا من المهارات المناسبة لعصرنا..
فهو يحسن تارة ويقصر تارة وهم أغلب أهل الميدان..
فيحتاج هؤلاء للدعم والاهتمام والتقدير مع منهجية واضحة للمحاسبية..
ومنهم سابق بالخيرات؛ ليس لنا أن نجازيه على عطائه مهما قدمنا له..بل هم من خير الناس في مجتمعنا..وإن كانوا قليلًا في نسبتهم داخل تعليمنا إلا أنك لا تكاد تجد مدرسة تخلو من أفراد منهم يضيئون كالنجوم..وهم أكثر فئات التعليم تعرضًا للظلم والبخس..لكن المميزين في التعليم في كافة المناصب والمستويات العليا منها والأقل مظلومون..
فلعلنا نفرق بين الدفاع عن المهنة وشرفها..
وبين النقد الذي يوجه للعاملين وأنا واحد منهم..أو لبرامج التعليم وفعالياته..
خاصة وأن نواتج التعليم لدينا لا توجد دراسة عالمية أو محلية واحدة تشيد به..ولا نملك تصنيفًا دوليًّا مشرفًا يكشف عن تقدمنا..عدا إنجازات فردية محدودة لنخب جميلة من طلابنا وطالباتنا..
لكنها غير مؤثرة في الحكم العام على تصنيف جودة التعليم الذي يهتم دومًا بقياس الأثر الممتد على جميع الطلاب وإنجازاتهم لا على مستوى الأفراد..
ولهذا ندرك سر اهتمام الوزارة بالنتائج الفردية واستغلالها لتلميع واقع تعليمنا الممتلئ بالثقوب السوداء..
يبقى..
إن لوم المعلمين أو قيادات المدارس وإدارات التعليم والوزارة؛ إنما هو خطاب تستنهض فيه هممهم لما يؤمله الجميع منهم..ولأن الوطن أمام مفترق طرق يتطلب أداءً نوعيًّا مختلفًا تكون ثمرته في خريجين وخريجات مختلفون تمامًا عن واقعهم اليوم ومتوافقون مع ما يحصله أفضل الطلاب في العالم..
ولا شك أن الأمانة عظيمة على جميع التربويين..
وخاصة على القيادات التعليمية التي يقف على رأسها وزير التعليم وفريق العمل معه..
فهم أكبر من يجب أن يتحمل المسؤولية تجاه هذا الخلل العظيم في نواتجنا التعليمية..وأولى من يتم محاسبتهم..
وأنا أعلم كغيري حجم الخلل الكبير الواقع في أدوار الوزارة تجاه مسؤولياتها..والذي يعود لأسباب كثيرة من أبرزها طريقة إدارة العمليات المتناقضة والمتصارعة داخل إدارات العموم في الوزارة ناهيك عن وكالاتها..
ولا يعني ذلك عدم إخلاصهم أو تعمدهم ضياع تعليمنا..
حاشاهم، بل غالبيتهم من كرام الناس وأفاضلهم في ذواتهم وشخصياتهم..
لكن من رضي أن يكون رأسًا في عمله ويفرح لأي غنْم يحصله فعليه أن يتحمل الغرم الذي يقع تحت يديه..
لقد فقدت الوزارة كثير من كفاءاتها المميزة لتعيش واقعا مؤلما حاليا يفتقر لقيادات نوعية في كثير من أجهزتها تناسب تطلعات المرحلة الحساسة والخطيرة..
بل للأسف أنها لا تملك أي منهجية للكشف والبناء والاختيار لمثل هذه القيادات التي تحتاجها..
فهي تعيش اليوم على عدد من قيادات مركزية بائسة..حطمت كثيرًا من المبادرات المضيئة..
أو قيادات مجتهدة فاضلة تنقصها الخبرات الحقيقية..
فتضيع جهودها الكثيرة فيما لا طائل من ورائه..
أو قيادات فاضلة مكبلة لا تملك إلا الألم يعتصرها..أو تبحث عن مواقع عمل خارج وزارتها..
وما خطة الوزارة ضمن خطة التحول الوطني لمن تأملها إلا دليل خطير على إفلاس كبير لا يتوافق إطلاقا مع ما تسعى له رؤية 2030..وستكشف الأيام القادمة ذلك بجلاء..

ختامًا..
صرح أحد وزراء التعليم لدينا بهذه الحقيقة المؤلمة عندما قال في كلمة رسمية ألقاها في مؤتمر اقتصادي دولي عقد في المملكة عام 1433:
“إن مستوى تعليمنا متدن بشكل مخيف..
استنادًا إلى نتائجنا في التصنيفات والمسابقات الدولية”..
فليتنا ننشغل معاشر التربويين بالرد على هجوم الناقدين والمعاتبين عبر قاعاتنا وساحاتنا التعليمية..
فمجرد العبارات والكلمات المنمقة التي تدافع وتثني عن واقع يتألم منه الجميع لن تغير من واقعنا شيئًا..
وقد شهدت أمريكا أضخم حملة إصلاح في تاريخها بعد أن قال خبراؤها في تعليمهم ما لم يقله مالك في الخمر..
فما بالنا لا نتداعى لإنقاذ وطن لن ينجو بغير تعليم مختلف تمامًا عما يقدم الآن في جنبات مدارسنا وساحاتنا التعليمية..
لعل تعليمنا يحظى قريبا بحملة حزم وعزم..

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى