المقالات

مدينة الأفلاطعووس

تستيقظ صباحًا وإذا بالزوجة العزيزة المحبة تُقبل رأسك وتقول:(صباح الخير يابو عيالي ياتاج راسي) تنفض غبار النوم من مقلتيك؛ لتأخذ دشًا دافئًا عميقًا، وعندما تهم بالخروج تُبادرك الغالية بسؤال مستغربة قائلة:( وي كيف اخليك تروح الدوام وانت على لحم بطنك ؟).
وتجد تلك السفرة مملوءة بما لذ وطاب من المأكل والمشارب، وتجد أطفالك قد ارتصوا بأدب جم قبل أن تجلس يقوم أبناءك بتقبيل يدك اليمنى، ويرفعون رؤوسهم الصغيرة قائلين:( صباح الخير يا أحلى بابا في الدنيا)، وتبادرهم أنت بقولك: ( صباحكم سعيد يا أبنائي).
تخرج من البيت متجهًا إلى عملك، والناس تمشي بنظام شديد لا يتجاوزن بعضهم البعض، بل تخيلوا لا يسبون أحدًا في الشارع ولا تسمع صوتًا لأبواق السيارات كلهم يتعامل مع الطريق بكل ذوق، بل إنهم يسمحون لك بأن تعبر الخط أمامهم بكل أريحية إذا ما كنت في التقاطع, وهم أبدًا لا يدخلون أمامك وأنت تحاول الدوران عند الإشارة، بل هم متبسمون ولم تعد ترى الأيدي ذات الإشارات الخطيرة .
تأتي للدوام في الوقت مديرك مبتسم ويرحب بالموظفين والمراجعين، بابه مفتوح ومدير مكتبه أبدًا لا يقول لك إن المدير في اجتماع جميع الموظفين موجودين الساعة السابعة على مكاتبهم في خدمة المراجعين.
صرخ أحد الموظفين في مراجع ( أقولك راجعنا بكرة!!!!!! ) مهلًا مهلًا ليس هنا أنه خروج عن أعراف مدينتنا يبدو أنه موظف نقل إلينا من مدينة الظلام يستنفر المدير ورؤساء الأقسام، أحضروا هذا الموظف (كيف تجرؤ ياهذا ؟ ألا تعلم أن المراجع هو زبون المنظمة وأن الزبون دائمًا على حق ؟ )
سوف تأخذ دورة تدريب مكثف في القسم الخاص للتدريب بالمنظمة اذهب الآن …!
الموظف اتجه مباشرة إلى مدير قسم التدريب، وهو يشعر بمسؤولية تامة ومدى احتياجه لهذا التوجيه أبدًا لم يزمجر، ويكيل عبارات اللوم والشتم .
ينتهي عمل اليوم لتعود إلى الطريق المنظم، ولا يوجد أحد يمشي وراءك بسرعة عالية، ويقوم بإضاءة مصابيح السيارة لمرات متكررة؛ طالبًا منك مخالفة الأنظمة بزيادة السرعة أو السماح له هو بالانطلاق. لا يوجد أبدًا البتة من يسرع في (مدينة الأفلاطعوس) كلهم مسئولون مسؤولية كاملة.
تقف لتتبضع فتجد أن الناس لا يسبقونك إلى المخابز؛ فهم محترمون جدًا خصوصًا الأطفال لا يمكن أن يجازف طفل بأن يكون قليلًا للأدب، ويزاحم كبار السن ويرفع صوته عاليًّا بكل صفاقة وإذا وصلت إلى (كونتر المحاسبة)؛ فلا يوجد أبدًا هناك أناس مستعجلون يصيحون على المحاسب ( هيه يامحمد ريال خبز …! ) راميًّا له الريال على سطح (الكاونتر )، ويغادر بسلام أبدًا هو يفكر في الطابور المرتص بالدور، بل تجده يسأل (أين هي السراء ؟) ويقف بكل هدوء في دوره إلى أن يأتي ويدفع الريال مقابل الخبز .
إن الأفلاطعوس مثال للانضباط الجسماني والذهني والروحي، أنصحكم بزيارتها والتأمل في جمال المدينة .

Related Articles

6 Comments

  1. طريقة جميلة ولطيفة لنقد الذات والمجتمع بخيال واسع امتعنا بما نحن نحلم ان يكون/نكون.
    للأسف واقع حالنا لا يعطي اي أمل لذلك ولكن لا نقول الا عسى ان نتغير.

  2. مدينه جميله واجمل شيء فيه ..:( وي كيف اخليك تروح الدوام وانت على لحم بطنك ؟)انه حلم كل اسباني ان يسمع هذا الكلام مره واحده في حياته الزوجيه وليس كل يوم …مقال جميل ورائع افلاطوني ..
    ننتظر منك المزيد … لعل الحلم يصبح حلم ..

  3. مبدع أبا أحمد .. وصدقني نحن على مقربة من طعوس افلاطون .. بالتوفيق .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button