يومياً تطالعنا القنوات الفضائية والإذاعات والصحف في صدر نشراتها وصفحاتها الأولى بأخبار من شاكلة: تراجع في صرف العملة المحلية مقابل العملات الأجنبية، ارتفاع أسعار…، انهيار مفاوضات….، مصرع وجرح وغرق العشرات، تجاوزات ورشاوى وتلاعب في مؤسسة…، سرقة محلات تجارية، احتجاز شحنات من السلع والأدوية الفاسدة والمخدرات…. الخ.
وهكذا يسهم إعلامنا في رسم صورة قاتمة لمجتمعنا، ويتغاضى في المقابل عن الصور المشرقة والجميلة على كثرتها؛ ليشارك في تشكيل شخصياتٍ أدمنت جلد الذات، والنقد الهدّام، والتعامي عن الإيجابيات مع التركيز على السلبيات، فضلاً عن النظر بمنظار أسود إلى الجزء الفارغ من الكوب!
انهالت عليَّ هذه الخواطر وأنا أقرأ خبراً جاء فيه: (كشف تقرير للأمم المتحدة عن (قيم النزاهة الشخصية) أن السودان احتل قائمة الدول العربية، وحلَّ في المرتبة الثانية في قائمة (أفضل شعوب العالم من حيث الأمانة الشخصية)، بعد إيرلندا التي احتلت المرتبة الأولى عالمياً).
لكنَّ إعلامنا الذي أدمن الأخبار المحبطة لم يحتفِ كثيراً بهذا الخبر، ففي الحين الذي ينشر فيه أخباراً من شاكلة ما ذكرناه في مطلع مقالنا في صفحاته الأولى وصدر نشراته، فإنه ينشر مثل هذا الخبر الذي يبعث على التفاؤل والأمل ويؤكد أصالة معدن الشخصية السودانية، ينشره في الصفحات الداخلية في ركن قصي في الصحف وفي ذيل الأخبار في الأجهزة الإعلامية الأخرى! هذا إذا نُشر أو احتُفي به في هذه الأجهزة، إلا من رحم الله تعالى!
جاء هذا الخبر ليمثل بارقة أمل بعد أن ملأنا إعلامنا إحباطاً وأوسعنا تثبيطاً بأخبار القتل والاختلاس والسرقة والنهب والغش والمخدرات والفواحش؛ حتى ظننا أننا أسوأ شعوب الأرض على الإطلاق!
إعلامنا – باستثناء القليل منه – يهوِّل ويضخم الظواهر السلبية، بينما يهوِّن ويقزِّم الظواهر الإيجابية؛ ابتغاء الإثارة والكسب الرخيص، وإلا فقل لي بربك: أين هي المشاريع والأعمال الخيرية والمبادرات النوعية التي تقوم بها المؤسسات والأفراد، خاصة شبابنا الواعد؟! أين هي الأخبار التي تؤكد رسوخ قيم التوكل على الله والشهامة والنبل والكرم والأمانة والنفير في مجتمعنا؟! أين محلها من الإعلام؟! أين هذه الأخبار التي إن نُشرت أحياناً فإنها تُنشر في إطار ضيِّق ومحدود، لا يكاد يخلو من اختصار يخلُّ به أو تجزئة تفرغه من محتواه! بينما تحتل الأخبار المحزنة والمخزية الصدر في محور الاهتمام والنشر!
ختاماً أقول: مهلاً يا إعلامنا! رجاءً كُفّ عن هذا المنحى المقعد للعزائم والمثبط للهمم! وانقل لنا الصور المشرقة، وقلِّل من مساحة الصور المظلمة، وكن معولاً للبناء لا للهدم؛ فإن ما تنقله لا يمثل سوى نقطة سوداء في ثوب أبيض.
علي صالح طمبل