المقالات

هل الرواية كذب ؟!

هل الرواية كذب ؟! سمعت من بعض الدعاة والمصلحين من يصفها بذلك، بل ومن بعض ممارسيها من كُتّاب هذا الفن. وبصرف النظر عن الموقف من مضمونها إلا أن وصفها بالكذب أمر غير دقيق، وغير صحيح، فالرواية استعارة كبرى، أو هي عالم موازٍ كعالم الحلم تمامًا، عالم محاذٍ للواقع ولا يفترض فيها أن تكون مطابقة للواقع حتى نصفها بالصدق أو الكذب تبعًا لذلك، وبتعبير بلاغي؛ فالرواية إنشاءٌ وليست خبرًا، إنشاء مختلف عن الإنشاء البلاغي المألوف – طلبيًّا أو غير طلبي – فالخبر ما يحتمل الصدق أو الكذب، والإنشاء ما لا يصح فيه أحد هذين الوصفين، لأنه ليس نقلًا للواقع، وإنما إنشاء لواقع، فإن تقول لأحد : ” قم – لا تقم ” فأنت هنا لا تصف واقعًا و إنما تطلب منه إنشاء واقع جديد في حدث القيام أو عدمه، وكذلك الأمر في عالم الرواية وإن كانت تُسرَد في صيغ أسلوبية مختلفة، قد يتخللها الخبر، فهي في بنيتها الكاملة جملة كبرى أو نص كامل لا ينقل واقعًا، وإنما يقوم بإنشاء عالم مفرداته من الواقع وتركيبه متعلق بالعالم المتخيّل في ذهن السارد، والأقرب أن توصف بأنها استعارة كبرى، تُساق على وجه التمثيل وتحتاج إلى تأويل، والاستعارة لا يدخلها الكذب؛ لأنها مبنية على التأويل ونصب القرينة على إرادة خلاف الظاهر، وكذلك الأمر في الفن القولي السردي، فهو مبنيٌّ على التأويل أولًا، وقرينته المنصوبة تتمثّل في التواطؤ بين الكاتب والقارئ، إذ من المعلوم سلفًا بأن القارئ يتلقّى الحكاية في نصها الأدبي بتوافق مع السارد على أنه عالم مقابل للواقع و ليس مطابقًا له، ولعل هذا هو الفارق بين الرواية والسيرة، برغم أن السيرة الأدبية قد لا تخلو من الصور المجازية والتخييل الذي لا تصدق عليه ثنائية الصدق والكذب .
إذا فهمنا هذا التصوّر عن الرواية أدركنا أنها نظيرة الحلم في أنها تتجاوز الواقع لا لتعبّر عنه، بل لتعبّر به وبمادته عن واقع تستشرفه، واقع لم يحدث، ولكنه يمكن أن يحدث، كما هو تصوّر أرسطو للشعر، ومعلوم أن الشعر الذي يتحدث عنه أرسطو أقرب إلى الرواية وعالمها من جهة أنه تمثيلي أو مسرحي له شخوصه وأحداثه، وعلى هذا الأساس يمكن النظر إلى الرواية من زاوية الصدق والكذب، بحيث يتبيّن أن وصف الرواية بالكذب مبنيٌّ على أساس وتصوّر خاطىء أو في أقرب الأحوال على المجاز باعتبار أن الرابط بين الكذب الواقعي وكذب الرواية – إن صح الوصف – متعلّق بأحداث لم تحدث، غير أن هذا الوصف غير صحيح، لأن أحداث الرواية غير أحداث الواقع من جهتين: إنّها خارج الفضاء الواقعي داخل فضاء المخيلة أو الذهن، إنّها استعارة كبرى لعالم الواقع تمثيلًا وتأويلًا، وربما استشرافًا لواقع قادم محتمل الوقوع !
سعود الصاعدي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى