جاستا و التلويح بعواقب الخروج عن الطاعة الأمريكية ورسالة على الطريقة الأميركية لكن هذا ما كان متوقعا ؟! فبعد تولي الملك سلمان بن عبد العزيز ـ حفظه الله ـ مقاليد الحكم تبدى حرص السياسة السعودية على التمايز عن التبعية للولايات المتحدة وهذا تأكد تباعا من خلال عدة مواقف منها اطلاق عاصفة الحزم التي رأى أكثر المفائلين أنها ولابد بالتنسيق مع أميركا ! ثم كان الخلاف الكبير في الملف النووي الإيراني .
قد تختلف أو تتفق مع السياسة السعودية فهي إجتهاد بشري ولكنك أكيد ستحترم رفض القيادة الرشيدة المخاطرة بمصالح الوطن العليا والإنصياع للإرادة الأميركية وغض الطرف عن المخاطر التي كانت ستترتب لا محالة عن هذه التبعية العمياء ؟ تابعت و منذ بدء الموافقة على قانون جاستا تناول الصحف في المملكة للموضوع وكان القليل من المحللين الذين رأوا أنه مفصَّل فقط للمملكة ولن يجدي فيتو أوباما وهذا التقدير الموضوعي للموقف مبني على فهم عميق لتطورات العلاقة السعودية الأمريكية بعد أن إختارت المملكة الانحياز لمصالحها والاصطفاف مع القضايا العربية والإسلامية المحقة والتعامل بندِّية مع الحليف الأمريكي وقد حاول بعض المغرضين أن يصوروا هذا التوجه وتلك الإرادة غير المسبوقين باعتبارهما تمرد غير مسبوق على الطاعة الأميركية و إذا سمح له بالتعبير عن نفسه لن نفاجأ بظهور زعامة عربية وإسلامية يصعب احتوائها ؟!.
الفارق بين تصدي المملكة السعودية للمشهد اليوم وقيادة المنطقة وتصدي الناصرية بالأمس أن جمال عبد الناصر كان يبحث عن مجد شخصي كما ارتكنت الناصرية في قناعاتها على الإشتراكية وهي الغريبة على البيئة العربية والمرفوضة من المجتمع العربي والإسلامي و رغم الشعبية التي حظيت بها إلا أنها كانت شعبية إعلامية ؟! وزعامة حنجورية تعتمد على شعارات خشبية ومنفصلة عن الواقع و ممارسات الناصرية التي لم تستطع بناء دولة وإنما أقامت نظاما استبداديا أما السعودية فلها خصوصيتها و مكانتها فهي أرض الحرمين الشريفين كما من حقها ووفق الشرعية الدولية ـ على أية حال ـ حماية سيادتها واستقلال قرارها الوطني و ليست أقل من إيران التي استطاعت فرض إرادتها ومشروعها على المجتمع الدولي ؟.
أرى أن جاستا هو فاتورة ستدفعها الولايات المتحدة بعد أن فرض المتطرفون في الإدارة الأمريكية قرارهم ! وما بعد جاستا و هو الأهم إذ تحرص المملكة على عدم الاصطدام وإدارة الأزمة بحكمة وهي تشهد مخاض تحول تاريخي خارجياً وداخلياً رغم هوْل التحديات و الأهم أن القيادة الرشيدة ممثلة في خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العريز لا تراهن سواء على معسكر شرقي أو غربي وإن كان البعض يحاول استمالتها واستغلال شدة الضغوط التي تتعرض لها و لكنها اختارت التمسك بثوابتها القائمة على الكتاب والسنة والإنحياز لمصالحها العليا وقضايا أمتها .
ما أحوج المملكة اليوم لمصر القوية لكنها بالتأكيد ليست مصر السيسي لكن هذه المرحلة المصيرية من تاريخ المملكة العربية السعودية ستتجاوزها بإذن الله وهي أكثر قوة و لا نبالغ حينما نقول أن السعودية تعيد اكتشاف قدراتها الحقيقية وعلى أعتاب قيام دولة سعودية رابعة ذات ثقل دولي وإقليمي ومحلي يليق بمكانتها التي تستحقها .
هيثم صوان