ودعت ساحات العرضة الجنوبية شاعرها محمد بن مصلح الزهراني الذي كان صوتا لافتا ساهم بسليقته وشاعريته وكاريزما حضوره في توسيع دائرة المحبين لهذا اللون عبر مساهماته التي جعلت من شاعر العرضة نجما يشار إليه بالبنان ليس على مستوى قبيلته زهران ولا على مستوى منطقة الباحة بل انتقل بها عبر صوته الجميل وقصيدته الوجدانية التي تشعل الحنين. .. إلى ارجاء شتى من الوطن حيث كان بمثابة قناة ناقلة لهذا الفن سبقت القنوات الفضائية واليوتيوب بسنين عدة.
يحسب لأبن مصلح ريادته وقد أستشهد بقصائده الدكتور عايض القرني في كثير من المناسبات وهذا مؤشر على جودة ورصانة وشاعرية ابن مصلح
وريادته يستمدها من أضافاته لساحة العرضة فهوأول من كسر الحائط الرابع بين الشاعر والعراضة حتى شعرنا معه أننا جزء من الحفلة بحديثه المباشر مع الحضور وتعليقاته الساخرة وقفشاته المعبرة وتواصله المباشر
وفي مرحلة ما من اعمارنا كنا كجيل شديدي التأثر بقصيدته وشاعريته وشخصيته المهيبة
في مرحلة مبكرة من أعمار جيلي كنا نردد عبر المساريب وفي بطون الأودية واطراف الشعاب والساحات وسندان البلاد طرف من غنائياته وقصائده وكانت الفضاءات تضج محلقة بغنائنا الغض :
يقول محمد تعبنا في هوى بدو غامد
و قال بن مصلح ريت نور القمر وضاح
دون أن نعي معناها. .
وتردد على السنتنا(يامسرعك يالساني كنت حالي ومريتوالناس مايقبلون الشايب أحنى ظهيره)
ولكم كنا نعمر تلك العصاري الآفلة بسماع تسجيلات الحفلات التي كان يشجي بها طيف واسع من سكان القرى في السراة وتهامة
سماع حفلاته مسجلة عبر الكاسيت كان كافيا لبث ألوان من الأنس والبهجة في نفوسهم وجعل لتلك الأوقات لذة بطلها شعر العرضة و قصيدة بن مصلح اللذيذة.
ريادته كانت تؤكدها حقيقة (نجم الشباك )
حيث حجم الحضور للحفلات التي يشارك فيها يزداد بشكل غير معقول
وكان الناس يتناقلون خبر احياءه حفلة في مكان ما لينتقلوا زرافاتا ووحدانا نحو حفلة ابن مصلح
في لحظة انتظار وشغف تضاهي شغف وانتظار مباريات كرة القدم اليوم لذا تجد الجموع ميممة إلى حيث يصدح محمد بن مصلح بقصائده فتزدحم الأودية والقرى التي يحيي فيها حفلة بشكل لم يسبق أن شهدته ميادين العرضة ولا أظنها ستشهد مثل ذلك الاحتشاد لأجل هذا النجم
فيما أجزم أن سوق بيع المسجلات وأشرطة الكاسيت شهد نموا غير مسبوق بظهور ابن مصلح
فقد زاحم بحضوره القوي عبر الكاسيت مشايخ الصحوة أنذاك.
وللتاريخ فأن الراحل المقيم في وجداننا فتح في ذائقة جيل كامل نافذة باتجاه جمالية شديدة مخبوءة في لون العرضة لم تكتشف من قبل
وأضافاته للكثير من الألحان والطروق لهذا الميدان وادخاله المووايل جعلت منه الشاعر الأجمل والأكثر قبولا لدى الجمهور
أحسب أن ( طول علينا اليوم ياليل ياليل من ابتكاراته) ولا أعرف اذا ماكان أول من انداح بعذوبة فاتنة قائلا:( ولعي يانار في رأس الفتيلة ولعي) أم لا ؟!
وحتى لولم يكن هو مبتكرها فهو بحق من أعادها بحسه الطربي الجميل إلى الواجهة وضمنها قصيدته التي تتكيء على العمق والصوت الجميل والمفردات الشعبية الغنية
العزاء للذائقة فقد فقدت أحد أهم من كان يدوزنها
ولميادين العرضة التي ودعت فارس أصيل
والعزاء للشموخ والهيبة فقد انحنى عملاق وذوى رجل مهيب
الرحمة لروحه الطيبة
وصادق العزاء لمحبيه وآله وذويه
ناصر بن محمد العمري – المخواة