يقول الشاعر :
قد مات قوم وماماتت مكارمهم
وعاش قوم وهم بالناس أموات
في صبيحة هذا اليوم السبت السابع من محرم الحرام من عام ١٤٣٨ هـ بلغنا النبأ الحزين بوفاة الشاعر الكبير محمد بن مصلح الزهراني رحمه الله تعالى وأسكنه الجنة ، ومع أن أنباء الوفيات أصبحت بالساعة والدقيقة ورغم معاناة شاعرنا مع المرض إلا أن خبر وفاته هز الوجدان وأثار الأحزان ، فهو ليس فقيد أهله فقط بل هو فقد زهران كافة وقبائل المملكة ومحبي شعر العرضة بل هو فقيد وطن فهو أحد رموز الوطن .
إن يكن الشاعر الكبير محمد بن ثامرة الزهراني وجيله رحمهم الله تعالى من لهم الفضل بعد الله في حفظ موروث العرضة الجنوبية بقولهم لقصائد حفظها لهم التاريخ وتناقلها عنهم الرواة , فإن فترة بعدهم كاد هذا الموروث الجميل أن يتلاشى ويختفي صداه , فلم تكن الحفلات قائمة بأسبابها التي كانت به أيام ابن ثامرة من حيث محاربتهم للترك وهزيمتهم لهم , فقد كانت الحفلات بعدهم محصورة في القرى وعلى نطاقات ضيقة .. ولكن كما قال الشاعر قديماً :
إذا سيد منا خلا قام سيد … قؤول لما قال الكرام فعول
فجأة ظهر الشاعر محمد بن مصلح الزهراني وبدأ الناس يتناقلون الأخبار عن ذلك الشاعر صاحب الصوت الشجي والقصائد الحماسية بطروق مختلفة تلهب حماس العرّاضة وتسعد الجماهير, وتناقل الناس أشرطة الكاسيت وأصبح لايكُاد يُسمع إلا قصائد الشاعر ابن مصلح..
الشاعر ابن مصلح هذا الاسم الذي أصبح علامة مميزة لقبيلة زهران واسماً ملازماً لشعر العرضة الجنوبية فقد أعاد للعرضة الجنوبية وهجها , وهو من له الفضل بعد الله في نشر واشتهار هذا الموروث في المملكة ومنطقة الخليج العربي وأصبحت العرضة الجنوبية بفضل الله ثم فضله أحد الموروثات الأصلية في الجزيرة العربية ..
ابن مصلح الاسم الملازم لشعر العرضة الجنوبية حيث يغلب على قصائده افتتاحيتها بقوله:
(قال ابن مصلح أو ابن مصلح قال )..
قال ابن مصلح كبر عمري وشيبنا
ابن مصلح قال كل الراس والاكباد والمشعاب
ابن مصلح يقول ا نا مريض وقلبي ماروي ..
وغيرها كثير ..
حق لقبيلة زهران وحق على زهران أن يحزنوا على فقد هذا الشاعر الذي لاتخلو أغلب قصائده من مدح زهران والتغني بأمجادهم وتذكيرهم بأفعال الماضين المشرف فيقول :
يا شباب أذكر لكم في زمان أول
وإلا في ذا الوقت حكم السعودية
هذا الشاعر الذي حين يفتخر بزهران يذكرنا بقول الشاعر الجاهلي عمرو بن كلثوم :
بأنا نورد الرايات بيضا
ونصدرهن حمراً قد روينا
إذا بلغ الفطام لنا صبي
تخر له الجبابر ساجدينا
أو قول أبي فراس الحمداني :
ونحن أناس لا توسط بيننا … لنا الصدر دون العالمين أو القبر
هذا ابن مصلح القائل :
اي نحن زهران مثل السيف الاملح يوم لا عدم
واي نحن زهران مثل البحر يوم البحر ماحد ينتزي من هوله
واي نحن مثل الجبال اللي تحاميها وسوقها
واي نحن زهران والتاريخ يشهد يوم جانا الباشة
والقبايل كلهم نعمين واما نحن نحن نحن
واي نحن عزوة لابو فيصل الا منه دعا الزهراني
ياملكنا قل وطل واعتز من فعل الزهارنة
..
ابن مصلح الذي لم ينس قبيلة من زهران لم يذكرها ويفتخر بها ويرجع قبائل و بطون زهران الحالية الى أصلها من زهران في عدد غير قليل من قصائده :
اول القول ذكر الله يبدى وصلوا عالنبي
والذي بعدها مني سلامٌ على اشراف القبايل
الشيوخ اربعة واربع قبايل رجال ابني سليم
جابريٌ ودعوى بالمفضل وقيف اولاد سعدي
وايل مقبل سعود الضيف والخصم يلقونه بشر
أربعه أخوان كلٌ له مقامٌ وكلٌ له قبيلة
العواجي ورزق الله ورمضان وسعد بو علي
وإن زهمنا على دوسين وابني عمر من لايفتنا
وإن زهمنا على يوسين نعم الرجال وصلبنا
احتموا من شفا عيسان إلى رهوة البر للحجير
واحتموا من طرف ناوان إلى دوقه لا والمنقضي
والعمارى حموا شمرخ وراس الفراع وجر بيدة
والحدود الذي من دون دهمة ومعشوقة لنا
والذي في شفا سيحان وفي العسيلة وفي برحرح
صانوا الحد من صوب الشلاوى ودعوى المالكي
والمناصير منا والعمارى الذي ويلا سقامة
والآشاعيب والمخواة واللي بوادي الأحسبة
وان دعانا الفهد قمنا وصحنا مع صقر الجزيرة
عندنا صنعة البندق وصنع النوافع والقنا
وبعد عندنا صنعة رصاصٌ ينوز وينتق الدم
لو لزمنا خصيمٌ لازم الطير تروى من دمه
احتمينا ديارٌ واقفٌ حدها والمال مرعي
كم ديارٌ رعينا في حياها وقفرا سيلها
..
ابن مصلح الذي قلما تخلو قصائده من فخر أو مدح أو ترحيب أو تسليم .. يهوى الزمل الطويل الذي يخلد في ذاكرة الأجيال ..
يانديبي توجه لين تاصل لدعوى المنصري
ثم صاوب بها الجُبر وصاوب بها الشيخ العواجي
ثم صل سعد الطيار يلقاك قيف المقبلي
وصل الشيخ رزق الله وربعه ورمضان المسمى
ثم صل ولد سعدي لين تضوي عليهم بيت بيت
ثم صاوب بها من عندنا لين تصل دوسي و يوسي
وانقل اعلامنا حتين تاصل رجال ابني عمر
قُل لهم: بو دخيل الله يسلم على زهران كفه
وانحن جيش الفهد من حيث يأمر ملكنا جاهزين
وانحن اللي نفيد المدح وانحن بريح المرت عشنا
نحمد الله مافينا ذليلٌ ولا فينا نذل
وانحن اللي ظهرنا فوق روس الجبال اللي عواني
وانحن مثل الصواقع حن تقع في الحصى دعمارها..
لم يكن الفخر المجال الوحيد الذي يتميز فيه ابن مصلح فقد قال قصائد في المدح لا في الأشخاص فحسب بل في الفعل الذي يراه فهو حين يمتدح شخصا ما فبالكرم والشجاعة غالبا يكون ذلك وهذا مما يتميز ابن مصلح .. فالكرم إحدى صفات ابن مصلح التي يذكرها كل من عرف ابن مصلح عن قرب .. و الشجاعة يلاحظها كل من حضر لابن مصلح حفلة فهو الذي يقول رأيه كلاما أو قصيدة دون تردد وبسرعة بديهة في أي شخص وفي أي مكان يقام الحفل ..
أما قصائد ابن مصلح في مجال الغزل فعندما نسمعها تذكرنا بالشاعر احمد بن جبران رحمه الله , و مع قصائده نتذكر قصائد العباس بن الأحنف ..
ويتميز الغزل عند ابن مصلح رحمه الله بأنه غزل عفيف لم يتعرض لأعراض الناس :
يقول محمد قلوب اهل المحبة شفافيق
و العباس بن الأحنف يقول :
حتى متى ونحن على رقبة … لا نلتقي خشية واشٍ وساع
فإن تلاقينا ففي خفية … لا نشتفي من نظر واستماع
و يقول ابن مصلح في أخرى :
ياهيل ياهيل يامابي لشوفك ولمساك
واليوم عدنا زعول وبيننا خلّص الحُب
والحُب الأصلي مع أصحاب الغلا ماخُلص باح
بعد تحسف وتنشد ع الوجوه المصابيح
وإن كان كذبتني فاصبر والأيام تجري
والعباس القائل :
إن تكوني مللت يا فوز وصلي …وتناسيتني وعهدك أمس
فعليك السلام خار لك اللـ … ـه لعمري لأكفينك نفسي
سوف يافوز تندمين إذا جربـ … ـت غيري والدهر يبكي وينسي
هذا بعض مما يمكن قوله عن الشاعر الكريم الشجاع محمد بن مصلح الزهراني رحمه الله تعالى والذي بوفاته تنطوي صفحة مهمة من صفحات شعر العرضة .. لكن إن فقدنا الرمز ابن مصلح فإن شعره باقٍ بين أيدينا ، كما أن بعده أبناءً نتمنى أن يرفعوا الراية بعد أبيهم ..
رحمك الله يا رمز شعر العرضة الجنوبية وأسكنك فسيح جناته ، وإنا لله وإنا إليه راجعون .
علي بن ضيف الله بن خُرمان الزهراني – الدمام
٧ محرم ١٤٣٨ هـ الموافق ٨ اكتوبر ٢٠١٦ م
اشكرك على طرحك الطيب ومقالك الرائع …تحياتي لك
مقال جميل ومميز
واسال الله يغفر لابن مصلح
الأخ علي أنت دائماً مبدع في كل ما تكتب وفيت وكفيت وما خليت لنا شي نكمله ولا نقول الا رحم الله فقيد زهران كافة واسكنه فسيح جناته
رحم الله شاعر الجنوب الذي وافاه الاجل وقد خلف موروثا شعبيا في مجال الشعر وكان رحمه الله يشاراليه بالبنان في كل المحافل التي كان يحيها وقد اجدت اخي علي في هذا السرد الذي ماهو الا جزء من حياة ابو دخيل الله رحمه الله وجعل الله قبره روضة من رياض الجنة ياليت الجمهور الكريم يخلص في الدعاء لشاعر الثراث الجنوبي صاحب الصوت الذي يشنف الاسماع وترتعد له فرائس المتذوقين لشعر العرضه