نشأ والدي ومجايلوه عصر ما قبل الطفرة ثم الطفرة، ثم أزمة تدهور سعر البترول لما دون العشرة دولارات وما صاحب ذلك من تقشف و شدٍ للأحزمة. كل هذه الأسباب وأسباب أخرى جعلت ذلك الجيل جيلًا مكافحًا يعرف قيمة المال وأهمية حسن إدارته والادخار منه .
في المقابل لذلك، نشأ معظم أفراد جيلي – مَن أعرفهم على الأقل – وقد تعافت البلاد من نكسة انخفاض سعر البترول وانطلقت نهضتها، فتحسنت الأوضاع وانتعشت فكان من شأن الوالدين تدليل أولادهم تعويضًا لهم عما عانوه هم أيام طفولتهم، وذلك وإن كان أمرًا حسنًا في ظاهره ومقصده، إلا أن نتيجته لم تكن حسنة في الغالب. إذ قلَّ من يعرف قيمة المال ويقدره قدره فيُدرك كيف يكتسبه وكيف ينفقه؟! وهذا رأي تكون عندي من مخالطتي لمن أعرف من الشباب هنا وأثناء فترة الابتعاث .
لأكتب هذا المقال، ارتأيت إلى عمل استبيان صغير ليثبت أو ينفي وجهة نظري، وكانت النتيجة موافقة لها بنسبة كبيرة للأسف .
معظم من أجاب – متكرمًا – على الاستبيان كان ينفق كل راتبه أو ٩٠٪ منه على الأقل. فقط أقل من ١٠٪ كان يدخر منه جزءًا، وأقل من ٥٪ من يستثمر ما أدخره. أما تفاصيل آلية توزيع الراتب فمُروعة فالبعض ينفق ما يزيد عن نصف راتبه في سداد إيجار البيت وفواتيره، وهي نسبة كبيرة إذا ما أخذنا في الحُسبان بقية الالتزامات الضرورية كمصروف البيت والزوجة والأولاد والسيارة خلافه. أيضًا من النتائج المخيفة أن ٧٠٪ ممن أجابوا على الاستبيان عليهم قروض للبنوك إما للزواج ومتطلباته أو لشراء سيارة أو لهذه الأسباب مجتمعة مع أسباب أخرى غريبة كالاقتراض للسفر والترفيه. معظم من أجاب على الاستبيان ينفق غالبية راتبه خلال الأيام العشرة الأولى ولا يكاد ينقضي الشهر إلا وهو مفلس أو على وشك الإفلاس، ولو تأخر الراتب يومين لوقع في حرج. هذه النتائج وغيرها تؤكد أهمية تعليم من هم في عمر الشباب حاليًّا قيمة المال وكيفية عمل ميزانية تؤدي للإنفاق بطريقة صحيحة، وإدراج هذه المفاهيم في مناهج التعليم منذ الصغر، مع أهمية توفير الوظائف الموسمية في كل مناطق البلاد؛ ليكون التعليم مقترنًا بالممارسة وحتى لا يبقى التنظير سمة بارزة فينا.
أختتم المقال بنصائح موجهة للشباب أمثالي خاصة وللمجتمع عامة :
* لا تتوسع في أسباب الكماليات في بداياتك، واقتصد ما استطعت ودعك من كلام الناس؛ فلن ينفعوك.
* لا تأخذ قرضًا من أجل الكماليات أيًّا كانت، وحتى عند الحاجة الملحة فخذ بقدرها دون زيادة .
* لا تندفع لشراء مقاضي البيت الشهرية دفعة واحدة عند نزول الراتب، بل جزئها واشترِ ما تحتاجه فعلاً .
* يجب عليك توفير ٢٠٪ من راتبك الشهري. استثمر نصف ذلك المبلغ، واحفظ الباقي لعلك تحتاجه .
* ليكن لك دخل غير راتبك، فالأفكار الجيدة والمشاريع الصغيرة أكثر من أن تُحصى .
* تصدق شهريًّا بمبلغ يزيد ولا ينقص فالصدقة بركة و نماء .
* ليكن لك ميزانية شهرية تُعدها قبل نزول الراتب، ثم أثناء الشهر احسب مصروفاتك بدقة لتستطيع التوفير ومعرفة أين أنفقت مالك، فقد قيل “من أنفق و لم يحسب، أفلس وهو لا يدري !”
* ليكن لك خطط مالية قصيرة المدى وأخرى طويلة، ولتعلم أنك إن لم تدخر في شبابك فالغالب أنك لن تدخر في المستقبل .
* لا تشترِ سيارة تزيد قيمتها عن عشرة أضعاف راتبك، ولا تستأجر بيتًا يفُوق إيجاره الشهري ثُلث راتبك .
أخيرا .. قال أحد الحكماء: “الاقتصاد نصف المعيشة”، اللهم قنعنا بما رزقتنا و بارك لنا فيما أعطيتنا، زدنا بفضلك حلالًا طيبًا مباركًا.
تنويه : ابتدأت كتابة هذا المقال قبل أشهر ثم شُغلت عنه، جاءت القرارات الأخيرة وما لمسته من تأثر ممن يحيطون بي بها؛ لتحثني على إكمال ما ابتدأته لعل فيها فائدة أنال ثوابها.
صادق رضا السنوسي