عبدالرزاق حسنين

الفضائيات..ومشاكل المجتمعات

كثيرة هي القنوات الفضائية التي يحويها ذلك الجهاز الصغير في معظم بيوتاتنا، بعد أن كنّا في الزمن الجميل، نتابع أخبار العالم عبر قناتنا السعودية المحلية، وما أن ينتصف الليل حتى يطل علينا مذيع الفترة المألوف بعد نشرة الأخبار الأخيرة، معلناً إنتهاء البث التلفزيوني وبإبتسامة عريضة يقول: تصبحون على خير ونلتقي في الفترة الصباحية، ولقد كانت الأنفس راضية بذلك البث الذي يتخلله إنقطاع، لسوء الأحوال الجوية أو لبساطة الأجهزة المستخدمة في محطتي تلفزيون جدة والرياض، إضافة إلى ما كنا نواجهه من معاناة لضبط إشارة الإرسال عبر (أنتن السطح)، الذي تتلاطمه نسمات الهواء، لتعتلي أصوات الأهل والجيران بتحريكه يميناً أو يسار، للحاق بما تبقى من فلم السهرة الوحيد، بما يذكرنا بتلك المسلسلات الهادفة من صح النوم والعقد الفريد واليد الجريحة أو المصارعة الحرة، التي كانت معشوقة الجماهير، تلك المسلسلات التي كان ممثلوها يحترموا عزيزي المشاهد وحقوق الأسرة في تلك البيوتات المغلقة من الزمن الجميل، ببساطته وتماسك أسرته، وما لبث أن تطور عالمنا بدخول التقنيات الحديثة وتعدد الفضائيات، بما تحويه من غث وثمين، ولا نختلف في أنها أرهقت مسامعنا وأشغلت جل أوقاتنا ليلها ونهارها، حتى أصبحنا وأمسينا نتابع أخبار العالم حين حدوثها، مما جعلنا نعيش التوتر والأحزان، التي ساهمت في إنتشار أمراض لم نكن نسمع بها، يوم كنا نعيش الهدوء العاطفي والراحة النفسية، الناتجة عن الترابط الأسري، الذي يفتقده معظمنا في هذه الأيام، لإنشغالنا بوسائل التواصل، التي زاد وهج لهيبها، حتى تكاد تفتك ببعض العائلات صغيرها وكبيرها، والمتابع لتلك القنوات الفضائية التي نحسبها عائلية بإمتياز إلى وقت قريب، ما لبثت أن تعاطت العديد من المسلسلات الخليجية والمدبلجة، وفي مجملها عشق وغرام وهجر وتطاول، ومشاهد تبرج فاضح وعبارات بعضها ساقط، وبكل أسف يتداولها بنات هذا الجيل وشبابه، والتي في إعتقادي جازماً زادت من حالات الإحتقان الأسري، المنتهي بدهاليز المحاكم ومخافر الشرطة، ومما لا شك فيه إن مجمل ما تطالعنا به صحافتنا اليومية من نهب وقتل، وقضايا عقوق وخصومات، نتاج ما يخرجه لنا بعض الإعلام المرئي وممثلوه، الذين ركضوا خلف الماديات وتناسوا مبادئ ديننا الإسلامي، أو حتى إحترام حقوق العائلات، ممثلون وممثلات خدمتهم أصباغ التجميل الزائف، ومعظمهم دخلاء على الفن، لهثوا خلف عقود الملايين وذلك الكم المهول من الأفلام والمسلسلات الغثة، التي ساهم تعدد الفضائيات في إنتاجها وإنتشارها، وإن تحدثت عن برامج الأطفال وتعدد قنواتها، وما تعرضه من أفلام كرتونية، مجملها منتهي بالضرب والقتل والدمار، بل والقضاء على الخصم بكل وسائل القوة، المسبوقة بعبارات وحركات، بعضها يمثل شركيات، بمخاطبة الفضاء وتجميع القوى الخارقة من النجوم والأحجار، وغير ذلك من الأوهام التي يعيشها أطفالنا منذ عودتهم من مدارسهم وحتى ساعات متأخرة من الليل، أفلام يهدف منتجوها وبكل أسف، لبناء جيل من الشباب العربي البعيد عن مبادئ ديننا الإسلامي الحنيف.

لن أخوض في البوكيمونات وما أثارته من ضجة إعلامية أشغلت وسائل التواصل، وهنا وعبر صحيفة مكة التي أكن لها إحتراماتي، أناشد أصحاب تلك القنوات بأن يسخروا تلك الملايين إلى ما فيه مصلحة الوطن وشبابه، نحو إنتاج برامج ومسلسلات هادفة، تساهم في تنشئة الأجيال الحالية والقادمة، على حب الخير والسلام، بعيداً عن عبارات التحدي والكراهية والقتل، التي صارت هاجس العائلات نحو فلذات أكبادهم، وقد يقول البعض: بأن بإستطاعة رب الأسرة التحكم فيما يشاهده أبناؤه، وهنا أرد القول: بأننا في زمن يصعب فيه ذلك، لتعدد مصادر المعلومات وإتساع الميديا وإنتشارها ورخص ثمنها، بخلاف ما تنتجه بعض مدارسنا والشارع والبيئة المحيطة بأطفالنا، ولا يختلف إثنان بأن القنوات الفضائية كالنار الهادئة، موجودة في كل المجتمعات، ولديها قدرة فائقة لغزو بيوتاتنا، بعيداً عن أي رقابة منع أو تقييد خطوط حمراء لا يمكن تجاوزها، لما يعيشه عالمنا من فوضى الفضائيات أو (الفضائحيات)، التي تعتبر جزء من الغزو الثقافي الذي يمارسه أعداؤنا، بما تعرضه من الكم المهول من المشاهد المخزية، التي تبث سمومها الفكرية الداعية إلى الانحراف والتفكك العائلي، وفي مجملها الخيانة والجريمة والتبرج المثير، الذي بلا شك يفسد الشباب وغيرهم، بمشاهدتهم لتلك المسلسلات وأغاني الكليبات الخادشة للحياء، بما يشكل خطراً حقيقياً على قيمنا الإسلامية، وبلا شك فإن ما تبثه بعض الفضائيات، يستهدف الأطفال والمراهقين، بل حتى كبار السن، لهدم ما تبقى لديهم من القيم والأخلاق.

وختاماً اسأل هؤلاء: هل جني ملايين الدولارات على حساب تدني أخلاق المجتمع حلالاً أم حرام؟
وبإعتبار إن مجتمعنا يعاني من آثار الفضائيات، فما هو الحل فى رأيكم؟ اسأل الله سبحانه أن يحفظ إعلامنا وشبابنا من تلك الإنجرافات المذمومة عواقبها، وأن يعين القائمين عليه، بمعاقبة من تسول له نفسه العبث بثروات الأوطان وشبابه.

عبدالرزاق سعيد حسنين

Related Articles

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button