يتابع الروائي المغربي عبد القادر الدحمني نبشه في أركيولوجية العلاقة بين المغاربة والسلطة مستجليا الكثير من عناصر بنائها وأشكال تطورها، مستندا في تحليلها _ سواء باعتبارها معطى واقعيا تاريخيا، أو باعتبارها تمثلا وأنموذجا إيديولوجيا نظريا _على مهمازين اثنين:
– الانطلاق من أحداث اجتماعية كبرى ذات بعد سياسي وصدامي دموي، كما هو الشأن بالنسبة لأحداث سوق أربعاء الغرب سنة 1958 بين حزب الاستقلال وحزب الشورى والاستقلال، والصراع الذي دار بين داخلية أوفقير وقبيلة اولاد خليفة حول الأراضي في مطلع السبعينات.
– أما المهماز الثاني فهو خرق زاوية التناول التيماتي التقليدي، من حيث إضاءة بنية السلطة من الداخل، فقد تعددت الكتابات الروائية التي تتناول السلطة من زاوية خارجية على مستوى التبئير السردي، ولم تجرؤ إلا قلة قليلة من السُّرَّاد على جعل مدار السرد يدور حول سارد ينتمي هو نفسه إلى بنية هذه السلطة ويشكل حلقة من حلقاتها الأساسية، خاصة ونحن إزاء ما يمكن تسميته ب”مخزن الألفية الثالثة’.
“هي معزوفة بوليفونية منصهرة في بوثقة سردية تستوحي عوالمها من مخيال يلتقط تفاصيل حيوات الإنسان المغربي وهواجسه، بحرفية الصائغ ومهارة الحائك”، حسب كلمة الناشر، فرواية”معزوفة لرقصة حمراء” تحاول أن تقترب من مطبخ صناعة القرار السلطوي وتنفيذه ولو على مستوى محلي لمدينة صغيرة مثل سوق أربعاء الغرب، ولعل الروائي يريد أن يقدم لنا عينة مصغرة عن مؤسسة مخزنية يشتغل فيها الجانب المؤسساتي إلى جانب التعليمات الفوقية والمصالح المتشابكة، إضافة إلى المؤثرات التاريخية والملابسات الواقعية والبشرية كذلك، بحيث ركز الروائي على العشرية التي سبقت الحراك الفبرايري، في توزيع شخصيات الرواية وفق انتماءات سياسية لا تخفي القصدية من وراء الدلالات التي تم تحميلها إياها، إضافة لطبيعة المواقع الاجتماعية المرصودة لها، ولهذا فإنك تجد ضمن أبطال الرواية القائد والمقدم، وتجد الصحفية والشاعر، وتجد ابنة الأرستقراطية وسليل الهامش البدوي.
ولذلك يمكن اعتبار الرواية تشريحا اجتماعيا وتاريخيا وإنسانيا أيضا لما يعتمل في ضمائر ونفوس الشباب المغربي الحالي، وما تصلاه الحياة الخفية للكثير منهم، ممن يفكرون في التغيير، وممن يضطرون لإجراء توافقات قاهرة، لا ترضيهم بالضرورة، بحيث تظل جمرة خياراتهم الأخرى متقدة تحت الرماد، لا تنتظر إلا ريحا تنفض عنها رداءها الكاذب، أو حطبا مناسبا لتنشب شواظها من جديد.
ورغم العوالم السوداوية التي ينقلها إلينا الروائي عن نفوس مهزوزة لشباب يائس، وأحلام معلقة في مهب العواصف والأنواء، إلا أنه أفلح بشكل رائع في تقديم ما يمكن أن يعتري هذه النفوس من هبّات صحوة ضمير، وتفجُّر ينابيع الحب، ونضج في الرؤية، واستعداد لتحمل المسؤولية التاريخية، كل ذلك يمر عبر صياغة احترافية لقصة حب ساحرة ودوزنة معزوفة رائعة في حب الوطن ضدا في اليأس والقهر والفساد والإرهاب.
يقول على لسان أحد الأبطال: “من يستطيع أن يغيّر مسار مجتمع أجوف؟ كثرت الوسائل والبروتوكولات وعمّت الضحالة والسطحية، كيف تنفذ إلى العمق لتذكر الإنسان المستَلَب اللاهث وراء المتع الخادعة بإنسانيته وكرامته وشيء ثمين اسمه: الحب؟..كيف إذا نعيد اكتشاف الوطن في ذواتنا؟ كيف نبحث عن “المعنى الضائع” في ركام الإيديولوجيات، ومخلفات طواحين الاستبداد وجراح الخيانات، وطمع الأنفس المريضة؟ هل كُتِب علينا أن نكتفي بالنظر إلى الآلة العمياء تحصد ذواتنا دون أدنى مقاومة؟!“.
تجدر الإشارة إلى أن عبد القادر الدحمني كاتب روائي وباحث في السرديات، عضو مؤسس للراصد الوطني للنشر والقراءة، وتعد “معزوفة لرقصة حمراء” التي تم نشرها بدعم من وزارة الثقافة، عمله الروائي الثالث، بحيث صدر له:
– عطش الليل، رواية، دار النشر المغربية، 2009.
– أحزان حُمّان، رواية، دار الوطن، 2012.
– قطاف: مقاربات في السرد المغربي، مؤلف جماعي، منشورات رونق، 2015.
– معزوفة لرقصة حمراء، رواية، منشورات رونق، 2016.
بقلم: إدريس بكرين