يروى أن بني إسرائيل تأخر عليهم الغيث, في عهد نبي الله موسى عليه السلام .. فلما جمعهم ليستسقوا ربهم لعله -عز وجل- يمطرهم، دعوا ودعوا, فلم يستجب الله لهم !! ، فسأل سيدنا موسى عليه السلام الله : ياربي لما لا تستجب لدعائنا ؟؟، فأخبره -عز وجل- أن فيكم نمّاما (ينقل النميمة بين الناس) .. ولايمكن أن أستجيب لكم وهو بينكم، فاطلب منه أن يخرج، فطلب موسى -عليه السلام- ممن يعرف أنه مبتلى بهذا الذنب أن يخرج من بينهم, حتى يستجاب لهم ويمطروا …
فكّر النمّام في نفسه : لو خرجت فضحت نفسي، ولو لم أخرج منعنا المطر، ياربي : لجأت إليك أن لا تردني خائبًا وتب علي إنك أنت التواب الرحيم .. ولم يخرج !!
أنزل الله بعدها الغيث مباشرة، فاستغربوا, واستغرب موسى كيف ينزل المطر ولمَّا يخرج النمّام .. فأخبرهم -عز وجل- أنه تاب توبة نصوحة كفرت عنه خطيئته … فسأل سيدنا موسى عليه السلام ربه أن يخبره من هو هذا الشخص الذي قبلت توبته، وأمطروا بسبب توبته ؟؟، فأخبره الله -عز وجل-: أنني عاقبته وعاقبتكم بسبب النميمة، فتاب هو عنها, فكيف تريدني أن أنمّ لكم باسمه ؟؟ ، سبحانك ربي ما أحلمك, سبحانك ربي ما أسترك, سبحانك ربي ما أعظمك ..
والعجيب أن “الغيبة والنميمة” من الذنوب الكبيرة التي وقعت فيها مجتمعاتنا باستخفاف شديد رغم شناعة وصفها مرات عديدة في القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة، فقد شبه الله -عز وجل- فعل من يغتاب أخيه بما يكره بأكل لحم هذا الأخ نفسه وهو ميت، وما أشنعها من فعلة
( .. وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا ۚ أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ ۚ..ٌ) !!
كما قرن الله -عز وجل- صفات كل ( هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيم ٍ) في سورة “القلم” مع صفات أسوء الناس سلوكًا، وأفسدهم عاقبة في الدنيا والآخرة، بل وتوعد سبحانه وتعالى فاعلها “همزا” بصوته أو “لمزا” بالإشارة بعقاب عظيم من رب عظيم هو “الويل” في كتابه الكريم بقوله عز وجل
( وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ )
*وهذا سيدي النبي عليه وآله الصلاة والسلام يوضح لنا في الحديث المتفق عليه أن ذنب “الغيبة والنميمة” ليس كبيرًا لدرجة أننا لا نستطيع الإقلاع عنه، ومع ذلك فإن مرتكبيه معرضون لعذاب القبر : “إنهما يعذبان وما يعذبان في كبير، أما أحدهما فكان يمشي بالنميمة ..”*
*وكأني بالصحابة -رضوان الله عليهم- بعدما سمعوا التحذير القرآني تلو الآخر من الغيبة، أرادوا معرفتها بوضوح فسألوه في الحديث الذي رواه “مسلم” : ما الغيبة يا رسول الله ؟؟، فقال عليه وآله الصلاة والسلام : ذكرك أخاك بما يكره، قيل : أفرأيت إن كان في أخي ما أقول ؟؟ ، قال : إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته، وإن لم يكن فيه فقد بهته” .. ، سبحان الله العظيم ما أكثر من يبهتون الناس بيننا، وما أكثر المغتابين !!*
*وبالتأكيد فإن الله تعالى لا يحرم أمرًا إلا وله عواقب دنيوية خطيرة، ولو تأملنا آثار “الغيبة والنميمة” على المجتمعات لوجدنا أنها سبب رئيسي لأمراض مجتمعية منها
1- فقدان الثقة بين المتعاملين الذين “فتح” بعضهم آذانهم للمغتابين والنمامين ..
2- نشر الكراهية والبغضاء في المجتمع، لأن بعض الناس “فتحوا” قلوبهم لكل واشٍ أو نمام أو مغتاب، ولذلك ورد عن سيدي النبي عليه وآله الصلاة والسلام في حديث بعض رواياته حسنة قوله
“لا يُبلِّغُني أحدٌ عن أحدٍ مِن أصحابي شيئًا فإنِّي أحبُّ أن أخرجَ إليكُم وأنا سليمُ الصدرِ”
ولذلك لا يجب أن نستغرب منع نزول الغيث وكل خير علينا، ولا يكاد مجتمعنا يخلو من لقاء صغير أو كبير إلا وللغيبة والنميمة نصيب واسع من أجندته .. أما مواقع و”قروبات” التواصل الاجتماعي؛ فقد أصبح الأصل فيها هو الهمزة واللمز والغيبة والنميمة بكل أشكالها وصورها، وكأن الله -عز وجل- أمرنا بها ولم ينهانا عن ارتكابها !!
والآن تعالوا أحبتي في الله نتصارح، كم في مجتمعاتنا الواقعية والافتراضية من هو خطّاء ( هماز مشاء بنميم ) ُمنعنا الغيث وكل خير بسببه ؟؟ ، أليس الأولى بنا الآن أن نعود إلى الله ونعزل أنفسنا ومنتدياتنا عن كل مغتاب ونمام، لعل وعسى أن ينزل علينا ربنا الرحمن الرحيم فيض رحماته، وأن يرفع عنا كل بلاء ؟؟
جمال بن يوسف شقدار
0