المقالات

فلس شديد..!!

لما كان الحديث عن الغلاء والفلس هو سيِّد المجالس هذه الأيام؛ رأيت أن أتحدث هذه المرة عن أسوأ أنواع الفلس وأشدِّها على الإطلاق!

ولا يكاد الواحد فينا يجلس في مجلس من المجالس أو يطالع موقعاً من مواقع التواصل الاجتماعي، حتى تقع عيناه على نكتة سخيفة تسخر من جنس من الأجناس، أو تتهكم على قبيلة من القبائل؛ حتى اشتُهرت بعض الأجناس والقبائل بأوصاف غير لائقة، فوصفت بالحمق أو البخل أو الغباء أو الإحراج أو ثقل الظل،… إلخ، حتى صارت تلك الأوصاف سُبّة تلاحقها ووصمة تلازمها، فما إن تُذكر حتى يُذكر معها الوصف الجارح الملازم لها، حتى صار بعض المنسوبين للقبائل التي أوسعها الناس إساءة وتجريحاً يخفون انتماءهم لتلك القبائل عمداً؛ مخافة السخرية منهم والتندر عليهم!

*****

ويقهقه كثير من الناس ضحكاً للنكات التي تسيء للأجناس والقبائل، ويتناقلونها فيما بينهم، ويسارعون ببثَّها في المواقع الإسفيرية؛ لتنتشر انتشار النار في الهشيم، ويحسبونه هيِّناً وهو عند الله عظيم!

*****

وقد جاء في الفتوى المنسوبة إلى الشيخ محمد بن محمد المختار الشنقيطي حفظه الله: (ماحكم (النكتة) إذا تمّ تسمية بلد معيّن أو قبيلة معيّنة، كقولنا (كان هناك رجل من قبيلة كذا، فعل كذا وكذا) على سبيل السخرية؟

فقال حفظه الله: هذه غيبة لكل أفراد القبيلة، وكلهم غرماؤك يوم القيامة، ويقتصون منك عند الله في يوم عظيم يقتصُّ الله فيه للبهائم من بعضها؛ فكيف بالبشر الأسوياء المكلفين؟! ويزداد الأمر سوءاً إن كانت النكته ضد قومية أو جنسية معيَّنة؛ فعندها يزيد غرماؤك يوم القيامة. فأنت في ذلك اليوم تحتاج إلى الحسنة الواحدة، فكيف ستواجه هؤلاء الغرماء جميعاً؟!).

وإذا كان الإثم كبيراً على من ينشر هذه النكات المسيئة للآخرين، فكيف بمن يؤلفها من بنات أفكاره ليُضْحِك الناس؟! وفي الحديث: (ويل للذي يحدِّث؛ فيكذب ليُضْحِك به القوم، ويل له، ويل له) رواه أحمد والترمذي وأبو داود. (الويل: وادٍ في جهنم).

******

وإذا كان الناس بطبعهم يكرهون الإفلاس في الدنيا، ويغتمّون حين يصير الواحد منهم مُعدَماً من المال، فإن أسوأ أنواع الإفلاس وأشدّها إفلاس الآخرة، حين يجد الإنسان نفسه مفتقراً إلى الحسنات ومتجرِّداً من الأعمال الصالحة في يوم تعظُم فيه مكانة الحسنات؛ حتى تفوق في أهميتها وقيمتها أهمية وقيمة العملات الصعبة في الدنيا، لدرجة أن الواحد يبخل بها على أقرب الأقربين، بل ويهرب منه حتى لا يطلب منه حسنة واحدة، في الوقت الذي قد يكون فيه الفرق بين دخول النار ودخول الجنة حسنة واحدة، قال تعالى: (يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ * وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ * وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ * لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ) [عبس: 34-37].

******

وهناك حديث يبيِّن من هو المفلس الحقيقي، حيث يقول فيه النبي عليه الصلاة والسلام: (أتدرون ما المفلسُ؟” قالوا”: المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع. فقال: إنّ المفلس من أمتي من يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة، ويأتي وقد شتم هذا، وقذف هذا، وأكل مال هذا، وسفك دم هذا، وضرب هذا، فيُعطَى هذا من حسناته، وهذا من حسناته، فإن فنيت حسناتهُ قبل أن يقضي ما عليه، أُخذ من خطاياهم فطُرحت عليه، ثم طُرح في النار) رواه مسلم (347).

فالعاقل من حافظ على ثروته الثمينة من الحسنات، وادّخرها ليوم يكون الحساب فيه بالذرّ، ولم يفرّط فيها بإهدائها للآخرين دون جهد منهم ولا تعب، وكفّ لسانه ويده عن أذى المسلمين و(المسلم من سلِم المسلمون من لسانه ويده) متفق عليه.

علي صالح طمبل

Related Articles

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button