من القصص المؤلمة التي قرأتها، أن لبوة كانت مسؤولة عن أشبالها الصغار، عملت جهدا لإحضار فريسة لهم لكي يتجمعوا ويلتهموا هذه الفريسة، وفيما هم ق بدؤوا في حفلة الالتهام، حتى حجم ذئب كبير وخذ بين فكيه تلك الفريسة وهرب الى شجرة عالية، وبينما ينظر الأشبال في دهشة بالغة، استددركت الأم الحدث وأخذت تجري خلف النمر السارق، وحاولت تسلق أفرع الشجرة الكبيرة، لكنها سقطت على ظهرها من ارتفاع عالٍ، وتحولت بعد دقائق الى جثة هامدة، وأشبالها ينظرون لها، والذئب من بعيد يتمتع بصيده الجاهز، والحدث الفارق هنا، أن الحيوانات الصغار، التفوا حول “أمهم” وبدؤوا في نهشها والتهامها، في مشهد ينظر له من الجانب “الانساني” أنه خارج المألوف، ولكنه في عالم الحيوان “أمر طبيعي”، المؤسف أنه في الجانب الانساني هناك أكبر من هذه القصة وأكثرها فظاعة، هناك النفاق وهناك الخيانة هناك البيع المجاني، وهناك الكذب والدجل، وهناك بيع الأخ على بيع أخيه، وهناك الجرائم بأسماء مختلفة، الإنسان الحيوان يمارس كل أنواع العهر والنفاق والبيع والشراء الحرام وأكل السحت ومال الحرام دون أي وازع أو ضمير أو حتى مبدأ أو نظام.
في كل مرة يتحدث البشر عن “التوازن البيئي”، وهذه التوازنات في غالبها تتجه نحو القوة وليس الضعف، فلا مكان للضعيف ولا مكان للغائب ولا مكان لمن يبحث عن كرامته، المكان فقط مهيأ لمن يملك عوامل القوة وعوامل الهيمنة وعوامل التسلط، عالم انتهازي بكل معنى الكلمة، اختلفت الموازين واختلفت المعايير واختلفت التوازنات، عالم الأبناء الصغار يبحثون عن بصيص أمل ليكملوا الحياة، وشعوب تبحث عن حياة في ظل الدم والدمار والقهر، واطفال لا حول ولا قوة لهم تحولوا في بلاد الحروب الى وقود، فهل هؤلاء لهم ذنب أن يحرقوا أو يبادوا أو تمزقهم الات الحروب، الأم الكبرى تنهار، والأبناء يحاولون البقاء، بالتالي النتيجة التي لا يمكن تجاهلها أن منظومة الحياة تتدحرج نحو التدمير، والواقعية في طريقها الى الانتهاء، ليحل محلها كثير من المفارقات التي كنا نعتقد أنها من المحرمات.
كثيرة هي مشاهد عقوق الوالدين، ونهش حق المواريث، والتنكر لحقوق الجيران، وسلب حقوق البشر فيما بينهم، والكذب الذي يتصف به الكبار قبل الصغار، في معركة تتسلح بأدوات “اللي بتغلبه العبه”، فمنظومة الأخلاق لا مكان لها، وكل ما يتم التنظير له مجرد مرحلة من مراحل التطهير النفسي من إثم أكبر، ولكن الأسوأ أنه نفاق لفظي لا يقوى أحد على تنفيذه أو تطبيقه أو العمل به، وهكذا فكثير مما هو خارج المألوف يتحول الى مشهد مستهجن لكنه واقع لا مفر منه.
د.مازن صافي/ كاتب ومحلل سياسي –غزة