المقالات

إسرائيل تسقط في الكمين الذي نصبته

في ظل عجز إسرائيلي عن التصدي للعقاب الرباني رغم استعانتها بقوى خارجية، بدأت تبحث عن شماعة تعلق عليها أسباب إخفاقها في صرف الجان الذي استحضرته. وكالعادة وجهت أصابع الاتهام إلى الفلسطينيين عامة وإلى عرب إسرائيل خاصة بأن لهم دورا في الحرائق المشتعلة .وهم بذلك يؤججون أجواء العنصرية ضد العرب. استكمالا لهجمات المستوطنين العنصرية في ظل حماية الجيش والشرطة على المسجد الأقصى المبارك . والعالم يقف موقف المتفرج ولا يحرك ساكنا . بعث الله بسلاح الرياح لكي لا تسير الأمور كما رآها اليهود .

أرادوا أن يظهروا للعالم كالمعتاد أنهم يعتدى عليهم من الفلسطينيين ، مع العلم أن ما يحرق من أحراش هي أشجار الزيتون التي زرعها الفلسطينيون لتكون رمزا على تمسكهم بوطنهم وليجني أبناؤهم وأحفادهم ثمارها . وراح خيال الصهاينة ينصرف إلى هذا السلاح الجديد الذي يمكن لخصومهم أن يستعملونه . وانصرفت أبصارهم وأفكارهم إلى الحدود الشمالية ، فرأوا أنه لو اندلعت حرب في الشمال فعلى إسرائيل ان تواجه خطرين ، خطر الصواريخ التي تطلق من الأراضي اللبنانية وخطر تخريب الجبهة الداخلية على غرار هذه الحرائق .

إن ما أظهره الكثير من العرب والمسلمين من شماتة وتشفي في ما رأوه من حرائق تجتاح الأحراش في القدس الشريفة جانب بعضهم الصواب فهذه ارض فلسطينية . فالقدس لنا وليست لهم . أرادوا إحراق أشجارها الفلسطينية فسلط الله رياحه لتحول اتجاهها صوب منازلهم ومستعمراتهم التي شيدوها على ارض فلسطينية مغتصبة . ولما لا يكون ذلك من صنع المستوطنين غير الشرعيين الذين يحسب لهم قادة إسرائيل ألف حساب ، فبعد أيام كان من المفترض إخلاء بؤرة استيطانية غير شرعية تسمى (عمونا) ، وكم توعد قاطنوها الدولة بالتصدي لأي محاولة لإخلائهم بكل السبل بل وأعدوا لذلك عدتهم واستدعوا المستوطنين من كل مكان لمساندتهم في تصديهم، وأعدوا لهم الخيام ووفروا لهم ما يلزم من طعام وشراب وأغطية في تحد صريح للحكومة ولحكم المحكمة التي أمرت بإخلائهم.

لماذا لم تنصرف أبصارهم إلى تهديدات هؤلاء ؟ لأنهم يخشون غضبهم ، فما كان من الزعماء إلا أن وجهوا إصبع الاتهام للعرب الفلسطينيين ليتمكنوا بذلك من إخلائهم من ديارهم ليسكنوا مكانهم العصابات الاستيطانية . فالحرائق في كيان الاحتلال ليس بالحدث الجديد , بل تكررت تلك الحرائق في مثل هذا الموسم مرات ومرات , كان أخرها قبل ست سنوات تقريبا , حيث وقع حريق الكرمل الشهير في عام 2010, وتسبب ذلك الحريق الهائل بمقتل أكثر من 44 إسرائيليا, وذلك بعد احتراق حافلتهم التي حاصرتها النيران في جبال الكرمل , تم وصف الحريق في حينه بأنه كارثة كبيرة , وطلبت حكومة الاحتلال المساعدة في إطفاء الحريق من العديد من الدول , أبرزها الولايات المتحدة وبريطانيا وروسيا وفرنسا وقبرص واليونان وتركيا , وتطوعت الأردن والسلطة الفلسطينية وشاركتا بالفعل في مهمة إخماد الحرائق في جبال الكرمل , وما أشبه اليوم بالبارحة , يتكرر نفس المشهد وتندلع النيران في الأحراش والغابات , ويساق الاتهام للفلسطينيين ويتم التعامل مع الحريق بالعقلية الصهيونية التي تنظر لكل حدث من منظور أمني بحت , وأن الحرائق متعمدة وتأتي في إطار النشاط المعادي لكيان الاحتلال , ويتم إلصاق التهمة بالفلسطينيين بدون تقصى أو تحقيق وهذا ما جاء في تصريحات قادة الاحتلال .

على جانب آخر مثل هذه الكوارث الطبيعية اثبت أن إسرائيل ضعيفة في مواجهة الأزمات لذا راحت تستجير بأصدقائها ليكشفوا عنها الضر الذي مسها مثلما فعلوا معها في ظروف مماثلة يسجلها التاريخ .انظر كيف أربكت الحرائق حساباتهم فنشرت قوات جيشها على الجبهة الداخلية ، واستدعت جنود الاحتياط للقيام بمهام معينة لمساعدة فرق الإطفاء . مما سبق من الممكن أن نستخلص أن كيان الاحتلال هو كيان هش وضعيف , تنكشف عورته وينكسر عموده الفقري عند أي تهديد حقيقي وقوي لوجوده, ولعل الأشهر الأولى لانتفاضة القدس كانت خير دليل , حيث تصدعت منظومة الأمن الشخصي وأصيب الكيان بحالة من الإرباك , وتعطلت كل المصالح الحيوية لديه.

واليوم يقف الكيان في حالة عجز واضحة , أمام اندلاع الحرائق في بعض المدن أو المستوطنات , ويسارع إلى طلب المساعدة من الخارج لإخماد تلك الحرائق , وهذا بحد ذاته يضرب في عمق الشعور الصهيوني بهشاشة كيانه , وأنه لا يملك عوامل البقاء والاستمرارية تحت ظروف طارئة وغير عادية, وهنا يتضح لنا أن هذا الكيان الاحتلالي لم يواجه خطراً أو تهديداً وجودياً منذ احتلاله الغاشم لفلسطين في العام 1948 .

ويبرهن الحريق الرباني على أن هذا الكيان لا يقوى على مواجهة أي خطر أو تهديد إلا بمساعدة خارجية , وهو ما حدث من قبل في المواجهات العسكرية والحروب , حيث كانت الجسور الجوية تمتد من الولايات المتحدة الأمريكية والدول الغربية حاملة للكيان الإسرائيلي العتاد الحربي بل والجنود لضمان عدم هزيمتها في مواجهة الجيوش العربية, ليتأكد لنا بأن هذا الكيان صنيعة الدول الاستعمارية الكبرى ,التي أسكنته خنجراً في قلب الأمة العربية , لذلك تراهم يهبون لنجدته ودفع الأخطار المهددة لبقائه .

وكم رأينا تلك الدول التي تحاول صبغ تحركاتها بالاعتبارات الإنسانية لا تحرك ساكنا عندما يحرق المسلمون وبيوتهم ومدنهم وقراهم في بورما ؟ فلقد كشفت الحرائق في فلسطين المحتلة ازدواجية المعايير التي تتبعها الدول الغربية فيما يقال عنه تحركات إنسانية , أو مهمات إنقاذ البشر من الكوارث , فلا تراها تتحرك سريعاً إلا إذا تعرض كيانهم الاحتلالي لخطر داهم ,وإلا فأين تلك الدول من النيران التي صُبت على قطاع غزة في ثلاثة حروب وحشية ضد المدنيين العزل ؟ أين تلك الدول من حمم النيران التي تتساقط على رؤوس الأبرياء السوريين في حلب من قبل الطائرات الروسية؟ وليس هذا فحسب بل نجد الدعم السياسي لإسرائيل من هذه الدول في المحافل الدولية لضمان عدم إدانتها في أي من الجرائم التي يرتكبها في عدوانه على الشعب الفلسطيني والدول العربية. وأخيرا نرى أن هذه الكارثة الربانية جاءت لتقيس مدى قدرة هذه الدولة على الاهتمام بأمور سكانها وتقيس مقدار الثقة التي يمكن أن يضعها المواطنون في حكومتهم في حال نشوب حرب مقبلة . (وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون) .

عبدالحميد محمد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى