عندما يتم اختيار أعضاء لمجلس الشورى؛ فإن ذلك ثقه من ولي الأمر للشخص المختار أنه سيبذل قصار جهده لخدمة دينه ومليكه ووطنه.
ولكن ومع الأسف الشديد أن البعض يعتقد بأن مجلس الشورى تكريم و ليس تكليف. بل والله إنها لأمانة تبرأت منها الجبال وحملها الإنسان.
إنها أمانة وطن ومواطن يحملها كل عضو في مجلس الشورى.
وهناك مهام وصلاحيات لكل مسؤول ومؤسسة تحدد الدور حسب النظام، لكن هناك مبادرات عديدة لا يتطرق إليها النظام تُشكل أدوارًا إضافية تتحول إلى نظام جديد. هذه المبادرات يمتزج فيها الكفاءة والجراءة والمهارة مع وضوح الرؤية.
ولازلت أذكر مقالة للزميل عبدالرحمن الحبيب بصحيفة الجزيرة حين كتب:
أذكر أن(بوَّاب) الكلية في بريطانيا (عندما كنت طالب دكتوراه) كان بمنزلة العميد رغم أن وظيفته كانت نظافة مداخل الكلية وتوزيع البريد الداخلي.. أي فرَّاش بتصنيفنا.
كان كل صباح يقف أمام منصة الاستقبال ببدلة أنيقة ووجه بشوش مُرحبًا بكل طالب بلغته الأم.. كان يحفظ عشرات التحيات بلغات مختلفة، ويعرف جنسية كل طالب.
ذكرت ذلك أثناء حلقة نقاش بمجلس الشورى حين همس لي أحد الأصدقاء: “المجلس يبحث عن دور!”.. وهي حلقة بادر بها مشكورًا مجلس الشورى بعنوان: “واقع الإعلام والاتصال في مجلس الشورى وسبل تطويره من وجهة نظر القيادات الصحفية وكتَّاب الرأي”، وافتتحها رئيس المجلس الشيخ الدكتور عبدلله بن محمد آل الشيخ، ثم طرح عضو المجلس الدكتور فايز الشهري لمحة موجزة عن استراتيجية جديدة للاتصال الإعلامي للمجلس، لتبدأ بعدها حلقة النقاش.
فإن أكثر النقاط تكرارًا بالحلقة دارت حول دور المجلس: هل هو تشريعي ورقابي أم استشاري؟
بدأ السؤال الكاتب صالح الطريقي.. وتوالت الاستفهامات والأجوبة والاقتراحات..
الأستاذ فهد آل عقران (رئيس تحرير صحيفة المدينة) وضع اقتراحات لتحسين التواصل الإعلامي للمجلس، مثل عقد مؤتمرات صحفية دورية، ودعوة الإعلاميين والكتاب لحضور الجلسات المهمة ولقاءات الوزراء، وتواصل رؤساء اللجان بالمجلس مع الصحفيين والمهتمين.
والدكتورة سهيلة زين العابدين فقد أتت بدراسة عن التحديات والتطلعات للمجلس.. وتطرقت لسلبية المبالغة بسرية أعمال المجلس.. ورأت ضرورة أن يكون للمواطنين دور بطرح المشاريع التي تناقش بالمجلس، طارحة مثال مشروع “الحماية من الإيذاء” الذي صار نظامًا أقره مجلس الوزراء بعد إقراره من مجلس الشورى الذي أعدته له إحدى مؤسسات المجتمع (مؤسسة الملك خالد الخيرية)، والأستاذ فهد العجلان (نائب رئيس تحرير صحيفة الجزيرة) رأى أن هناك دورًا للمجلس غُفِل عنه كثيرًا نتيجة عدم تقديم القضايا التي نوقشت للمجتمع.
مقترحًا أن يقدم المجلس نفسه من خلال مواقفه وتناوله للقضايا الحرجة..
أمام هذا الفشل الإعلامي اقترحت الدكتورة أمل الهزاني إيجاد شركة إعلامية متخصصة للمجلس، ومنبهة بأن أكبر شركة علاقات عامة لا تستطيع أن تلمِّع مؤسسة فاشلة، بينما ذكَّرنا الكاتب عادل الماجد بأن طبيعة الإعلام هو كشف السلبيات وليس التلميع.
أما الأستاذ سلمان الدوسري (رئيس تحرير صحيفة الاقتصادية)؛ فقد أوجز بأن الطبيعة الإعلامية للمجلس سلبية لأن هناك قرارات لمجلس الوزراء لا أحد يعلم أن مصدرها مجلس الشورى!
ومن هنا اقترح البعض بأن يتواصل المجلس مع الناس بعمل استفتاءات، وقياس رأي للقضايا التي تطرح بالمجلس..
لمن لا يعرف دور مجلس الشورى، فالمسألة سهلة بالاطلاع على مواد نظام المجلس.. ومن أهمها أنه يبدي الرأي بالسياسات العامة للدولة، كمناقشة خطة التنمية والتقارير السنوية للوزارات، ودراسة الأنظمة وتفسيرها (مادة 15). إلا أن له دورًا أكبر من الرأي، فالأنظمة والاتفاقات الدولية تصدر بمراسيم ملكية بعد دراستها من مجلس الشورى (مادة 18).
كما أن للمجلس اقتراح نظام جديد أو تعديل نظام نافذ، ورفعه للملك (مادة 23).
وللمجلس الحق في طلب حضور أي مسؤول حكومي (مادة 22). تلك أدوار تفوق ما يظنه البعض أنه مجرد مجلس استشاري، بل إن له دورًا يوازي في بعض الحالات مجلس الوزراء، فمما جاء بالمادة 17:
“إذا تباينت وجهات نظر المجلسين [الشورى والوزراء] يُعاد الموضوع إلى مجلس الشورى ليبدي ما يراه بشأنه ويرفعه إلى الملك لاتخاذ ما يراه”. هذه المادة مهمة لتوضح أن الرأي الأخير قبل الرفع للملك هو لمجلس الشورى. ونص هذه المادة بعد تعديله عن النص السابق الذي كان يوازي بين المجلسين، أي أن هناك تزايدًا بمهام مجلس الشورى.
وإذا كانت الإجابة المباشرة لأدوار المجلس بسيطة؛ فإن الإجابة غير المباشرة تأتي مما يقوم به المجلس واقعيًّا؛ إضافة إلى قدرته على ممارسة أدوار ونشاطات أخرى لم يتطرق إليها النظام ولم يمنعها..
لكن تلك لا يمكن معرفتها دون التواصل الإعلامي.. ولعل الأخيرة ستجيب عليها الاستراتيجية الإعلامية الجديدة للمجلس؛ أما طريقة التكتم التقليدية فهي ستجعل الناس لا تعرف ما يقوم به المجلس فضلًا عنه أنه يعزلها عنه، لتغدو عضوية المجلس بنظر كثيرين مسألة تشريفية وليست مسؤولية..