لا يولد الوعي بالشعارات الرنانة ولا بالكلمات الطنانة بل يخرج من رحم المستهدفات كنتيجة حتمية لمشروع توعوي تتلاقح فيه الفكرة الجيدة بالعمل الجاد .
هذا التلاقح بمثابة “كلمة السر” المتداولة في دروب التوعية بمفهومها الحضاري ، وقس عليها ما شئت للفصل والتفريق بين مجرد التمني وبين السعي والإجتهاد لتحقيق الوعي المنشود .
في نبض الشارع العام للعاصمة المقدسة هناك تصاعد ملحوظ من الحراك التوعوي ، تماماً كتصاعد ضجيج أعمال الإنشاء والتعمير الجارية حالياً في المنطقة المركزية ، وكأن هذا الحراك يحاكي ذلك الضجيج ويسير معه في نفس الاتجاه نحو المقاصد والغايات لتكون مكة المكرمة أجمل وأرقى وأكثر أمناً .
كيف لا تكون كذلك وقد صاغ أهل مكة من عسجد حبهم لها شعاراً يقولون فيه بالبلدي الفصيح :”مكة تستاهل“.. وهي عبارة معجونة بالطيبة والرجولة والتضحية ، والجميل أنهم وضعوها – بطوعهم واختيارهم – على بساط التنفيذ والتطبيق العملي كمشروع مكي يضخ في شرايين البلد الأمين كل مفيد ونافع لخدمة المواطن والمقيم وضيوف الرحمن ، على نفس النهج الذي رسمه أمير مكة “خالد الفيصل” في إدارته لهذه المنطقة الغالية والأرض الطاهرة .
“مكة تستاهل” اختصرت مسافة الزمان ومساحة المكان ، وقفزت بنا جميعا إلى مواقع المسئولية لتجسيدها قدر المستطاع في كل القطاعات وعلى كافة الأصعدة والمستويات.. فهي تستاهل منا – كسعوديين وكمسلمين – كل ما يمكن أن نفعله من أجلها تكريماً لها وتعظيماً لشأنها ورفعة لمكانتها ، ولن أذهب بعيداً عن أرض الواقع ففي مكة المكرمة هذه الايام رواج كبير لحملات التوعية المجتمعية باعتبارها حجر رئيس في زاوية تعظيم البلد الحرام ، فمن الوعي ينطلق الفكر السليم ويتطاول بنيان التحضر وتسمو إنسانية الفرد لينصهر كل ذلك ويصب في قالب خدمة الدين والمليك والوطن .
وأحسب أن إدارة مرور العاصمة المقدسة قد غزلت من خيوط هذا النسيج الراقي شيئاً من العزم والحزم لإطلاق حملة توعوية تحت شعار “معاً لتكون مكة خالية من المخالفات”.. ويبدو من مضامين هذا الشعار أنه قام على أساس هدف واضح ورؤية جديدة وإستشراف طموح.. كما أن مبادرة من هذا النوع تعكس صورة حضارية للطريقة الخلاقة التي يفكر بها المسؤولون في إدارة مرور العاصمة المقدسة وحرصهم الشديد على صناعة بيئة مرورية سهلة ونظامية وآمنة .
لكن ليس هذا كل شيء فهناك في المقابل طابور طويل من التحديات والصعوبات والمعوقات تستلزم منهم ما يليق بها من المواجهة العقلانية والجهد والصبر والمثابرة ، وقبل كل هذا إبتكار أفضل السبل وأجمل المسالك لجذب المجتمع المكي بكل أطيافه وكذلك زوار البلد الأمين للمشاركة والتفاعل الإيجابي مع الحملة لضمان نجاحها وتحقيق أهدافها ، فخلو مكة المكرمة من المخالفات المرورية مسئولية مشتركة تتواءم في صميمها مع تعظيم البلد الحرام ، وتنسجم في مقاصدها وغاياتها مع ما يريده “أمير مكة” وما ينشده أهل مكة عندما قالوا “مكة تستاهل“.
وختاماً..
دعوني أستثمر النجاح المنتظر من هذه الحملة التوعوية “المرورية” لأرفع سقفها بعض الشيء وأخرج به من دائرة المرور وحركة السير إلى رحاب أوسع فأقترح على إمارة منطقة مكة المكرمة تعميم فكرة الحملة وتوسيع نطاقها لتشمل كل المخالفات التي أعتاد الناس على ارتكابها في الشارع العام بشتى صورها وأشكالها ، وأرى في حال استحسان هذا المقترح تعديل صيغة الشعار لتكون “مكة بلا مخالفات“.. وليس بالضرورة أن تكون خالية تماماً من أي مخالفة ، فالكمال لله وحده ، لكن على أقل تقدير نحد كثيراً من ارتكاب المخالفات وتصبح مكة المكرمة حماها الله ورعاها انموذجاً يحتذى بها ويقتدى ليس في باقي محافظات ومدن المملكة فحسب بل أيضا في العالم أجمع ، فهي “أم القرى” وأطهر بقاع الأرض .
المستشار / صالح العمودي